للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا شك أيضاً في أنه ثبت عن ابن عمر بروايات الثقات فعل الرفع، وورد عنه برواية مجاهد، وعبد العزيز بن حكيم الترك، فالأولى أن يحمل الترك المروي عنه على وجه يستقم ثبوت الرفع منه. ولا يخالف روايته أيضاً إلا أن يجعل تركه مضاداً لفعله، ومسقطاً للأمر الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بروايته ورواية غيره- انتهى كلام الشيخ عبد الحي. وممن رد من الحنفية التمسك بأثر ابن عمر هذا على النسخ: العلامة الشيخ محمد معين السندي أيضاً، وهو من تلامذة الشاه ولي الله الدهلوي فارجع إلى دراسات اللبيب (ص١٧١) . واستدلوا أيضاً بأنه قد ثبت الترك بالاتفاق في جنس ذلك الحكم، وهو الرفع بين السجدتين، وثبوت الترك في الجنس دليل على نسخ الأصل كما قرروا في حديث التسبيع في سؤر الكلب أنه كان في زمن التشديد في أمر الكلاب وكما في مسئلة الرضاعة. قالوا: قد تدرج النسخ فيها من عشر رضعات حتى نسخ رأساً. قلت: دعوى الاتفاق على ثبوت الترك في جنس ذلك الحكم ممنوعة، ولا نسلم أن الرفع بين السجدتين أو عند كل خفض ورفع كان مشروعاً ثم نسخ وترك، حتى يكون ذلك الترك دليلاً على تدرج النسخ إلى الأصل. ولو تنزلنا وسلمنا أن الرفع بين السجدتين كان ثم نسخ وترك، فلا يدل ذلك على نسخ الرفع عند الركوع، والرفع عند القيام إلى الركعة الثالثة، كما لا يدل على نسخ الرفع عند التكبيرة الأولى، وأما القول بأن حكم تثمين الغسلات والتسبيع والترتيب في سؤر الكلب كان في زمن التشديد في أمر الكلاب ثم وقع فيه النسخ تدريجاً فباطل مردود على قائله، قد رده الحافظ في الفتح، والشيخ عبد الحي في السعاية فارجع إليهما. وكذا دعوى تدرج النسخ في مسألة الرضاعة أيضاً باطلة فإنه لا دليل على نسخ حكم خمس رضعات الذي ذهب إليه الشافعي، ولا على نسخ حكم ثلاث رضعات الذي هو مذهب أحمد، لا من كتاب الله، ولا من سنة رسوله، ولا يثبت النسخ بالادعاء. واستدلوا أيضاً بأنه وقع في الصلاة تغيرات في أوقات مختلفة كما يدل عليه حديث معاذ بن جبل عند أبي داود: "أحيلت الصلاة ثلاث تحويلات"، وقد كانت أقوال وأفعال من جنس هذا الرفع مباحة في الصلاة، كالكلام، والتطبيق، وعدم استواء الصفوف، والمشي ونحو ذلك، ثم نسخت لكون مبنى الصلاة على السكون والخضوع، فلا يبعد أن يكون الرفع في المواضع الثلاثة أيضاً مشمولا بالنسخ. قلت: سلمنا وقوع التغييرات في الصلاة لكن هذه التغييرات إنما وقعت في الأمور التي هي من العادات، كالكلام، واختلال الصفوف، والمشي، والتطبيق، فنهوا عن الكلام وأمروا بالسكوت قبل وقعة بدر بقوله تعالى: {قوموا لله قانتين} [٢٣٨: ٢] ، وأمروا بتسوية الصفوف في أوائل الهجرة، وأما الأمور التي هي من العبادة فلم يقع النسخ والتغيير فيها. والكلام ههنا فيما هو من صلب الصلاة، وأمر القبلة من شرائط الصلاة لا من صلبها. والرفع بين السجدتين أو عند كل خفض ورفع لم يثبت. وأما الرفع في المواضع الثلاثة الذي هو من أمور العبادة فقد ثبت تواتراً، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ما يدل على نسخه، كما صرح به من الحنفية الشيخ عبد الحي، والشيخ أبوالحسن السندي،

<<  <  ج: ص:  >  >>