والشيخ محمد بن معين السندي وغيرهم. فالقول بكونه مشمولاً بالنسخ بمجرد التخمين تقوّل على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وافتراء عليه. أعاذنا الله منه. وههنا أمور ينبغي أن نذكرها ليتضح لك هذا الجواب حق الاتضاح، وهي تنفعك فيما يأتي أيضاً: الأول: أن الأمور العادية هي التي منع منها في الصلاة ما منع؛ لأنها منافية للخشوع، بخلاف الأفعال التي هي من جنس العبادة، فلم يقع النهي عنها، بل أمروا بها لكونها مؤثرة في الباطن، مورثه للخشوع في القلب، والصلاة هي اسم لمجموع الأفعال الظاهرة والخشوع، لا لخشوع القلب فقط. والثاني: أن مطلق الحركة ليست بمنافية للخشوع، كحركة الانتقال من القيام إلى الركوع والسجود، ورفع الرأس منها، ورفع السبابة في التشهد، ورد السلام بالإشارة. وقال تعالى:{وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}[٤٥: ٢] . والثالث: أن رفع اليدين الذي هو حركة من الحركات، وعمل من أعمال الصلاة ليس من الأمور العادية، بل هو من العبادات؛ لأن اشتغال اليدين بالعبادة مع الأعضاء الظاهرة الأخرى من كمال العبادة، كما قيل في وضع اليمنى على اليسرى في القيام، ووضع اليدين على الركبتين في الركوع، ووضعهما حذاء الأذنين أو المنكبين في السجدة مستقبلاً بأصابعهما القبلة، ورفع المسبحة، والإشارة بها في التشهد، ونصب القدمين في السجدة. ومما يدل على كون رفع اليدين من أمور العبادة ما في شرح البخاري للعيني (ج٥: ص٢٧٢) : قال ابن بطال: رفعهما تعبد، وقيل: إشارة إلى التوحيد، وقيل: انقياد. وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بالكلية إلى الصلاة. وقيل: استعظام ما دخل فيه. وقال الشافعي: تعظيم لله، واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن عمر: هو من زينة الصلاة، وبكل رفع عشر حسنات، بكل إصبع حسنة – انتهى ملخصاً. وقال الشاه ولي الله في حجته (ج٢: ص٦) : الهيئات المندوبة إليها في الصلاة ترجع إلى معان: منها: ... ، ومنها: محاكاة ذكر الله، وإيثاره على من سواه بأصابعه ويده حذو ما يعقله بجنانه ويقول بلسانه، كرفع اليدين والإشارة بالمسبحة ليكون بعض الأمر معاضداً لبعض ... الخ. والرابع: أن رفع اليدين في المواضع الثلاثة على الهيئة المخصوصة ليس منافياً للخشوع الذي هو للصلاة كالروح للجسد، بل نقول: إن الرفع في هذه المواضع عين الخشوع. قال الشاه ولي الله في حجته (ج٢: ص٨) : السر في ذلك أن رفع اليدين فعل تعظيمي ينبه النفس على ترك الأشغال المنافية للصلاة والدخول في حيز المناجاة، فشرع ابتداء كل فعل من التعظيمات الثلاث لتنتبه النفس لثمرة ذلك الفعل مستأنفاً – انتهى. ثم إنهم قد اتفقوا على سنية افتتاح الصلاة برفع اليدين، وهذا دليل واضح على عدم منافاة الرفع للخشوع، وإلا لما جاز اقتران الصلاة به والمواظبة على الإفتتاح به. ولا فرق بين هذه الرفع وبين الرفع في المواضع الثلاثة الباقية. ومن ادعى الفرق فعليه البيان. ومما يؤكد ما قلنا من عدم المنافاة بين الرفع المذكور والخشوع، وعدم الفرق بين الرفعين أن الحنفية قالوا بمشروعيته في وسط الصلاة أيضاً، أي عند تكبير القنوت وتكبيرات العيدين، فالقول باستنان الرفع في أول الصلاة، والذهاب إلى