للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع كونه صحابياً أفقه من علقمة والأسود كما يظهر من كتب أسماء الرجال. وعلى هذا فالترجيح يكون لحديث ابن عمر لعلو سنده ولصحته، ولكون رواته أفقه، ولكونه مثبتاً، لا لحديث ابن مسعود لعدم وجود هذه الأمور فيه. قال الشيخ محمد معين السندي الحنفي تلميذ الشاه ولي الله الدهلوي في دراساته (ص١٧٧-١٨٤) : ومن الإغراب البديع معارضة حديث الرفعات من أكثر الحنفية بما حكى ابن عينية أنه اجتمع أبوحنيفة مع الأوزاعي بمكة في دار الحناطين، فقال الأوزاعي - فذكر مناظرتهما بمثل ما قدمنا ثم قال -: وذلك الإغراب من وجوه، الأول: أن هذه الحكاية عن ابن عينية معلقة، ولم أر من أسندها. ومن عنده السند فليأت به حتى ننظر رجاله. والمعلقات من أمثالها ليس من الاحتجاج في شيء، ولهذا لم يتعرض لها الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية مع استيفائه حجج المسألة من كل قوي وضعيف يعتبر به ويشهد له، وذلك لأن المعلق من غير الجامع الصحيح كما لا يحتج به لا يصلح للاعتبار والشهادة مطلقاً. وليس في ذلك كالضعاف الذي تنقسم إلى ما يعتبر بها وإلى ما لا يعتبر، ولهذا يقول الإمام الدارقطني في تفاوت مراتب الرجال: فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به. ومن هذا سقط ما أشار إليه ابن الهمام من الاعتبار والشهادة بقوله: ويؤيد صحة هذه الزيادة يعني زيادة بعض الرواة في حديث ابن مسعود: "ثم لا يعود" رواية أبي حنيفة من غير الطريق المذكور، وذلك أنه اجتمع مع الأوزاعي بمكة في دار الحناطين كما حكى ابن عينية إلى آخرها، لما عرفت من تعليقها وحكم التعاليق. الثاني: أن قول أبي حنيفة في هذه الحكاية: "لم يصح فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء" مفصح من عدم علمه بحديث ابن عمر على ما هو المتبادر الظاهر من كلامه، والتقييد بأن يقال: أراد عدم صحته بشيء غير معارض، كما ارتكبه القاري في شرح الموطأ من رواية محمد، خلاف الظاهر - قلت: قال القاري في المرقاة: قوله: "لم يصح فيه شيء" أي لم يصح معنى إذ هو معارض، وإلا فإسناده صحيح - فبإخبار الأوزاعي بمجرده من غير تصحيحه على شرائط الملتزمة عنده يجوز أن لا يحصل له الثقة بذلك فجرى الكلام معه على ما جرى. الثالث: فقه الرواة لا أثر له في صحة المروي، وإنما مدارها على العدالة والضبط، وكلما اشترط في صحة الحديث، إذ قلة الفقه لا يوجب الوهن في شرائط التحمل وما يلازمه الوثوق بالرواية، وإذا انتفى ذلك بقي العلو لسند ابن عمر مع ما له من الصحة. والحنفية لا يعتقدون أيضاً أن قلة فقه الراوي مما يتطرق به الوهن إلى مرويه، بل يرون أن رواية قليل الفقه من الصحابة إذا خالفها القياس من كل وجه يقدم القياس عليها من غير أن يتطرق عندهم وهن بعدم فقه الراوي في صحة مروية, أو يحصل زيادة وثوق بفقه الراوي لصحة مروية من مروي من دونه في الفقه. وما ذهبوا إليه من تقديم القياس على رواية مثل أبي هريرة، وأنس بن مالك, وجابر بن سمرة، وهم عندهم ممن يقل فقههم من الصحابة قد وقع عليهم بذلك الطعن الشديد, لا سيما في حكمهم على أبي هريرة بقلة الفقه، حيث نسبوهم بعظم الجسارة بهذا القول، وكما وقع

<<  <  ج: ص:  >  >>