للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطعن من هذا الوجه وقع على أشد من ذلك من حيث استلزام هذا القول منهم تقديم الرأي على السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعدم التعبد في كلام الشارع المعصوم - صلى الله عليه وسلم -، فإن السند فيه باب القياس، وتعويلهم على رأي من يجوز عليه الخطأ والرجوع عن رأية في ساعة. وقد جروا على ذلك في حديث المصراة من مسند أبي هريرة، وقد أجبنا عنه في وريقات بما يتبين به وفاق القياس بالحديث من غير خافية، - ثم ذكر ما عللوا به تقديم القياس على السنة وبسط الكلام في الرد عليه ثم قال -: وإذ تبين أنه لا أثر لفقه الراوي في صحة الحديث وقوته على حديث غير الفقية، وأن أصحاب أبي حنيفة - أي المتأخرين - إنما يرون الأثر لكثرة الفقه وقلته من جهة أخرى غير ترجيح المروى- وهي تقديم القياس على فساده- فنسبة القول بترجيح رواية الفقية على غير الفقية إلى أبي حنيفة في هذه الحكاية من أمارات الإختلاق عليها. الرابع: كما دل العقل على أن فقه الراوي لا أثر له في صحة الرواية فلا يستند قول ذلك إلى أبي حنيفة دل النقل من الثقات على أنه قول موضوع مختلق على السلف الصالح، ومستحدث من المتأخرين ممن لا يعبأ بقوله على وضوح فساده. شهد بذلك فخر الإسلام، والشيخ الأجل عبد العزيز صاحب الكشف والتحقيق، وهو شيخ الإمام ابن الهمام. وصرح بذلك في التحقيق. قال: ولم ينقل من أحد من السلف اشتراط الفقه من الراوي، فثبت أنه قول مستحدث انتهى. وإذا اجتمع العقل والنقل قويت الأمارات، وصارت دليلاً قطعياً على كذب الحكاية واختلاقها. الخامس: سلمنا أن لفقه الراوي أثراً على ترجيح مرويه على مروي غير الفقيه- كأبي هريرة وأنس وجابر عند المتجاسرين من بعض الحنفية- فلا نسلم أن رجال حديث ابن عمر غير فقهاء، ترجح على مرويهم حديث ابن مسعود لفقه رواته، وكون رجاله أفقه من رجال ابن عمر إن سلم فلا نسلم حصول الترجيح بحديث ابن مسعود بحيث يترك به رأساً حديث ابن عمر لرجوعه إلى باب خلاف الأضبط مع الضابط، والترجيح الحاصل بكثرة الضبط مع إتقان ضبط المخالف على ما يدفع مخائل الخطأ عنه لا يوجب ترك المرجوح رأساً وعدم العمل به أصلاً حتى يعد من مكروهات الصلاة، بل البدعة الحادثة. على أن حديث ابن عمر في الرفعات قد عرفت فيما سبق أنه قل حديث يوازيه في القوة وأنه من المتواترات، فهو طور موطر لا يزعزعه عاصفات الرياح فضلاً عن غيرها. ولقد صدق ابن الجوزي حيث قال: ما أبلد من يحتج بهذه الأحاديث يعني التي تروى في عدم الرفع إلا مرة في التحريم، ليعارض بها الأحاديث الثابتة، حكاه الحافظ ابن حجر في تخريج مسند الرافعي (ص٨٣) . وحاصل الكلام ههنا أن هذه الحكاية عن أبي حنيفة بعد كونها معلقة غير مقبولة قد قامت الدلائل الواضحة على عللها القادحة فيستغرب الإقدام ممن يقدم على إيرادها في محل الاحتجاج أو الاعتبار انتهى كلام الشيخ محمد معين مختصراً. ومنها ما قال هذا البعض أيضاً: أن مقتضى القياس ترجيح روايات الترك؛ لأن الشرع جعل لانتقالات الصلاة علامة، وهي التكبير والذكر، وجعل لابتداء الصلاة وانتهائها علامة أخرى أيضاً

<<  <  ج: ص:  >  >>