للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه". وكذا وقع ذكر الرفع عند الركوع عند البخاري والنسائي وأبي داود وابن ماجه. وفي المصابيح: "فلا أدري سقوط هذا في نسخ المشكاة من المصنف أو من النساخ". واعلم أن حديث مالك هذا دليل واضح على تأخر الرفع عند الركوع والرفع منه، وبقاءه، وبطلان دعوى نسخه، وذلك من وجوه: الأول: أن مالك بن الحويرث وأصحابه قدموا المدينة قبل غزوة تبوك حينما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهز ويتأهب لها، وكانت وقعة تبوك في رجب سنة تسع، وقد نزل قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون} [٢، ١: ٢٣] قبل قدوم مالك ورفقائه المدينة. والخشوع السكون، قال في فتح البيان: الخشوع في اللغة السكون والتواضع. وقال ابن عباس: "خاشعون" ساكنون. وهذا يدل على أن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه ليس منافياً للخشوع والسكون، وأن الرفع الذي هو مناف للسكون ومخالف له هو شيء آخر غير ذلك الرفع المتنازع فيه، وأن المراد بالسكون في قوله: "اسكنوا في الصلاة" في حديث جابر هو السكون عن الرفع عند السلام اعتباراً للسبب، وعن الأفعال التي ليست من أعمال الصلاة اعتباراً لعموم اللفظ، لا عن الرفع عند الركوع وعند رفع الرأس منه، فعمله - صلى الله عليه وسلم - بالرفع بعد نزول قوله: {خاشعون} دليل على بقائه وعدم نسخه؛ لكونه غير مناف للسكون والخشوع. قال السندي في حاشية النسائي: مالك بن الحويرث ووائل بن حجر ممن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر عمره، فروايتهما الرفع عند الركوع والرفع منه دليل على بقائه، وبطلان دعوى نسخه. كيف وقد روى مالك هذا جلسة الاستراحة فحملوها على أنها كانت في آخر عمره في سن الكبر، فهي ليس مما فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - قصداً فلا تكون سنة، وهذا يقتضي أن يكون الرفع الذي رواه ثابتاً لا منسوخاً لكونه في آخر عمره عندهم، فالقول بأنه منسوخ قريب من التناقض، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمالك هذا وأصحابه: "صلوا كما رأيتموني أصلي" –انتهى. وقال في حاشية ابن ماجه مثل ذلك، وزاد: فإن كان هناك نسخ فينبغي أن يكون المنسوخ ترك الرفع. والثاني: أن مالك بن الحويرث الذي روى هذا الحديث قد كان يرفع يديه بعده - صلى الله عليه وسلم - عملاً بما رأى وشاهد منه - صلى الله عليه وسلم -، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - له ولرفقائه: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فإن الرفع داخل في هذا العموم. روى البخاري في صحيحه عن أبي قلابة: أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع هكذا، فرفع مالك يديه في صلاته بعده - صلى الله عليه وسلم - عملاً بما رأى منه وبما أمره به يدل على عدم نسخه. والثالث: أن مالكاً قدم المدينة عام تبوك، وقد حكى ما رأى وشاهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرفع في صلاته، وهذا صريح في عدم وقوع النسخ قبل ذلك، وقد بقي - صلى الله عليه وسلم - حياً بعد تبوك قريباً من عشرين شهراً، ولم ينقل أنه ترك الرفع في هذه المدة ولو مرة لا بسند صحيح ولا ضعيف، والأصل في الأشياء بعد وجودها ثبوتها وبقاؤها لا عدمها؛ لأن عدم نقل الترك في مثل هذه المواقع بمنزلة نقل عدم

<<  <  ج: ص:  >  >>