ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما وكبر فركع، فلما قال:"سمع الله لمن حمده" رفع يديه، فلما سجد، سجد بين كفيه،
ــ
ويلزم منه المواطأة بين اللسان والقلب، وثانيهما: أن يكون" كبر" بياناً لقوله: "دخل في الصلاة"، ويراد بالدخول افتتاحها بالتكبير، ونحوه في البيان قوله تعالى:{فوسوس إليه الشيطان قال يآدم هل أدلك على شجرة الخلد}[٢٠: ١٢٠] أو بدلاً منه كقول الشاعر:
ارحل لا تقيمن عندنا
فعلى الأول يلزم اقتران النية بالتكبير- انتهى. (ثم التحف بثوبه) أي تستر به. قال ابن حجر: يحتمل أنه بعد تكبيرة الإحرام سقط ثوبه عن كتفه فأعاده، ويحتمل أنه كان نسيه ثم تذكره بعد إحرامه فأخذه والتحف به. قلت: ويحتمل أنه كان وضع ثوبه أي رداءه على كتفه قبل الدخول في الصلاة لكن بدون التحاف وتوشح بل سدلاً وإرسالاً، ثم التحف به، وتوشح بعد الدخول في الصلاة بالتكبير، وهذا هو الأقرب. (ثم وضع يده اليمنى على اليسرى) ورواه ابن خزيمة في صحيحه بلفظ: "وضع يده اليمنى على صدره"، وسيأتي الكلام في مسألة محل وضع اليدين وكيفية الوضع مفصلاً إن شاء الله. (فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب) فيه استحباب كشف اليدين عند الرفع (فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه) أي لما شرع في قوله ذلك شرع في رفعهما كما علم من الروايات السابقة، واستفيد منه أن "سمع الله لمن حمده" ذكر الرفع والانتقال من الركوع إلى الاعتدال. (فلما سجد سجد بين كفيه) أي محاذيين لرأسه، قاله القاري. وقال ابن الملك: أي وضع كفيه بإزاء منكبيه في السجود. قال القاري: وفيه أن إزاء المنكبين لا يفهم من الحديث. قلت: في رواية عاصم بن كليب عن وائل بن حجر عند النسائي: "ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه"، وفي رواية أبي داود:"فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه"، يعني وضع يديه حذاء أذنيه. وهذه الرواية تدل على مشروعية وضع الكفين حذو الأذنين، وحديث أبي حميد الآتي بلفظ:"وضع كفيه حذو منكبيه" يدل على مشروعية وضع الكفين في السجود حذو المنكبين، فجنح بعضهم إلى ترجيح ما في رواية مسلم والنسائي، وحمل حديث أبي حميد على بيان الجواز، وعكس آخرون. وقال بعضهم: إن المصلي مخير بين أن يضع كفيه حذو منكبيه، وبين أن يضع حذاء رأسه وجبهته حملاً للأحاديث على أوقات مختلفة. واختار بعضهم الجمع بما تقدم في مقدار الرفع، والله أعلم. تنبيه: حديث وائل بن حجر هذا دليل واضح على تأخر الرفع وبقائه، وبطلان دعوى نسخه؛ لأن وائلاً متأخر الإسلام جداً. قال العيني في شرح البخاري (ج ٣: ص٩) : وائل بن حجر أسلم في المدينة سنة تسع من الهجرة- انتهى. وقال السندي: وائل بن حجر ممن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر عمره، فروايته الرفع عند الركوع والرفع منه دليل على بقائه وبطلان دعوى نسخه – انتهى.