واعلم أن إبراهيم النخعي لما سمع حديث وائل هذا من عمرو بن مرة الجملي المرادي وغيره قال استبعاداً: ما أرى وائلاً رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ذلك اليوم فحفظ عنه، وعبد الله بن مسعود لم يحفظ. إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة. أخرجه الدارقطني والبيهقي والطحاوي، وأخرجه أبويعلى في مسنده بلفظ:"أحفظ وائل ونسى ابن مسعود؟ " وفي رواية للطحاوي: قال إبراهيم: فإن كان وائل رآه مرة يرفع فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يرفع- انتهى. ذكر هذا الكلام كله الشيخ عبد الحي اللكنوي في التعليق الممجد (ص ٩١) نقلاً عن نصب الراية، ثم قال رداً على النخعي: وههنا أبحاث، الأول: ما قاله البيهقي في كتاب المعرفة عن الشافعي أنه قال: الأولى أن يؤخذ بقول وائل؛ لأنه صحابي جليل فكيف يرد حديثه بقول رجل ممن هو دونه. والثاني: ما قاله البخاري في رسالة رفع اليدين: إن كلام إبراهيم هذا ظن منه، لا يرفع به رواية وائل، بل أخبر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فرفع يديه، وكذلك رأى أصحابه غير مرة يرفعون أيديهم، كما بينه زائدة، فقال: نا عاصم: نا أبى عن وائل بن حجر، أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فرفع يديه في الركوع، وفي الرفع منه، قال: ثم أتيتهم بعد ذلك فرأيت الناس في زمان برد، عليهم جل الثياب تتحرك أيديهم من تحت الثياب. والثالث: ما نقله الزيلعي عن الفقية أبي بكر بن إسحاق أنه قال: ما ذكره إبراهيم علة لا يساوي سماعها؛ لأن رفع اليدين قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم عن الخلفاء الراشدين، ثم عن الصحابة والتابعين، وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب، فقد نسى من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق، ونسي كيف قيام الاثنين خلف الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح يوم النحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود، ونسي كيف كان يقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - {وما خلق الذكر والأنثى}[٩٢: ٣] . وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين؟. والرابع: أن وائلاً ليس بمتفرد في رواية الرفع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل اشترك معه جمع كثير كما مر ذكره سابقاً، بل ليس في الصحابة من روى ترك الرفع فقط إلا ابن مسعود، وأما من عداه فمنهم من لم ترو عنه إلا رواية الرفع، ومنهم من روى عنه حديث الرفع وتركه كليهما كابن عمر، والبراء إلا أن أسانيد رواية الرفع أوثق وأثبت، فعند ذلك لو عورض كلام إبراهيم بأنه يستبعد أن يكون ترك الرفع حفظ ابن مسعود فقط، ولم يحفظ من عداه من أجلة الصحابة الذين كانوا مصاحبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل مصاحبة ابن مسعود أو أكثر لكان له وجه. والخامس: أنه لا يلزم من ترك ابن مسعود وأصحابه عدم ثبوت رواية وائل، فيجوز أن يكون تركهم؛ لأنهم رأوا الرفع غير لازم، لا لأنه غير ثابت، أو لأنهم رجحوا أحد الفعلين الثابتين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرفع والترك فداموا عليه، وتركوا الآخر، ولا يلزم منه بطلان الآخر. والسادس: أنه قد أخذ ابن مسعود بالتطبيق في الركوع، وداوم عليه أصحابه، وكذلك أخذوا بقيام الإمام في الوسط إذا