الحكيم الرومى هو ذو القرنين الملك وليس هو المذكور فى القرآن لان تعظيم الله اياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل اليه بل هو ابن فيلقوس الملك وكان مولده فى السنة الثالثة عشر من ملك دارا الاكبر سلمه أبوه الى أرسطاطاليس الحكيم المقيم بمدينة ايثناش فأقام عنده خمس سنين يتعلم منه الحكمة والادب حتى بلغ أحسن المبالغ ونال من الفلسفة مثل سائر تلامذته فاستردّه والده حين استشعر من نفسه علة خاف منها فلما وصل اليه جدّد العهد له واستولت عليه العلة فتوفى منها واستقل الاسكندر بأعباء الملك وله حكم كثيرة* وفى لباب التأويل ذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله له انى باعثك الى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الارض احداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والاخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الارض احداهما فى القطر الايمن يقال لها هاويل والاخرى فى القطر الايسر يقال لها تأويل وأمم فى وسط الارض منهم الجنّ والانس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين بأىّ قوّة أكابرهم وبأىّ جمع أكاثرهم وباى لسان أناطقهم قال الله تعالى انى سأطوّقك وأبسط لسانك وأشدّ عضدك فلا يهولنك شىء وألبسك الهيبة فلا يرو عنك شىء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك فانطلق حتى أتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعددا لا يحصيه الا الله وهم ناسك فكابرهم بالظلمة حتى جمعهم فى مكان واحد فدعاهم الى الله وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه فعمد الى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا فى دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظيما وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل ففعل بهم كفعله فى ناسك ثم مضى حتى أتى منسك ففعل بهم كفعله بالامّتين وجند منهم جندا ثم أخذ ناحية الارض اليسرى فأتى تاويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد الى الامم التى فى وسط الارض فلما كان مما يلى منقطع الترك مما يلى المشرق قالت له أمّة صالحة من الانس ياذا القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش كالسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذى روح خلق فى الارض وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا نشك أنهم سيملؤن الارض ويظهرون عليها فيفسدون فيها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا قال ما مكنى فيه ربى خير فأعدوا لى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقدار واحد يبلغ الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخاليب وأضراس كالسباع ولهم هلب شعر يوارى أجسادهم ويتقون به من الحرّ والبرد ولكل واحد أذنان عظيمتان يفترش احداهما ويلتحف بالاخرى يصيف فى واحدة ويشتو فى أخرى يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف الى بين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الاساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض* وفى أنوار التنزيل فسار حتى اذا بلغ مغرب الشمس أى منتهى العمارة من نحو المغرب وكذا المطلع وجدها تغرب فى عين حامئة أى حارّة أو حمئة من حمأت البئر اذا صارت فيها الحمأة أى فى ماء وطين لعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك اذ لم يكن فى مطمح بصره غير الماء وكذلك من كان فى البحر يرى فى مطمح بصره كأنها تغرب فى البحر وكذلك من كان فى البرّ أو الجبل لا أن جرم الشمس تغرب فى عين اذ جرم الشمس أكبر من أن يسعها عين ولا تتزايل عن فلكها ولذلك قال وجدها تغرب ولم يقل وكانت تغرب ووجد عند تلك العين قوما كفّارا عراة من الثياب لباسهم جلود الوحوش والصيد وطعامهم ما لفظه البحر فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل على كفرهم وبين أن يحسن