قد اختلف فى المراد بالروح فى قوله ويسئلونك عن الروح والجواب يدل على أنها شئ موجود مغاير للطبائع والاخلاط وتركيبها فهى جوهر بسيط مجرّد لا يحدث الا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكان قال هى موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير فى افادة حياة الجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه* قال فى فتح البارى قد تنطع قوم وتباينت أقوالهم فقيل هى النفس الداخل الخارج وقيل جسم لطيف يحل فى جميع البدن وقيل هى الدم وقد بلغت الاقوال فيها المائة ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبىّ خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة وقال ابن العربى اختلفوا فى الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شئ واحد* وعن وهب روى أنه لما تم تخمير طينة آدم وعدّلت أجزاؤه وسوّيت أعضاؤه أراد الله أن ينفخ فيه الروح فأمرها أن تدخل فيه فقالت الروح مدخل بعيد القعر مظلم فقال له ادخل ثانيا فقال كذلك فقال له ثالثا فقال كذلك فقال له رابعا ادخل كرها واخرج كرهأ كذا فى بحر العلوم* روى أن الروح أدخلت فى جسد آدم الفخارى من قبل رأسه فكل عضو تحل فيه الروح حلولا سريانيا يصير لحما ودما ولما بلغت دماغه عطس فانتشرت فيه فنزلت لسانه وصدره فألهمه الله قوله الحمد لله فقال الله يرحمك ربك يا آدم* قال جعفر بن محمد مكثت الروح فى رأس آدم مائة عام وفى صدره مائة عام وفى ساقيه وقدميه مائة عام كذا فى المواهب اللدنية* وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما بلغت الروح صدره ولم تتمكن فيه بعد أراد أن يقوم وفى رواية لما دخلت الروح فى عينيه نظر الى ثمار الجنة ولما وصلت جوفه اشتهى الطعام فأراد أن يقوم الى ثمار الجنة قبل أن تبلغ رجليه وذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل وهذه الرواية تشعر بأن خلق آدم كان فى الجنة وقيل خلقه الله فى آخر النهار يوم الجمعة فأسرع فى خلقه قبل مغيب الشمس قال يا رب عجل خلقى قبل الليل فذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل* وفى المدارك وغيره العجل الطين بلغة حمير قال الشاعر
فى الصخرة الصماء منبته ... والنخل تنبت بين الماء والعجل
وفى بهجة الانوار دخلت الروح فى آدم من رجليه ويقال من دماغه فلما دخلت استدارت فيه مقدار مائتى عام ثم نزلت فى عينيه قيل الحكمة فيه ارادة الله تعالى أن ينظر آدم الى بدء خلقه وأصله حتى اذا تتابعت عليه الكرامات لا يدخله الزهو والعجب ثم نزلت الروح خياشيمه فعطس فقبل فراغ العطاس نزلت الى فمه ولسانه ولقنه بالحمد لله وذلك أوّل ما جرى على لسانه فأجابه ربه يرحمك الله يا آدم ثم نزلت الى صدره وشراسيفه فعجل بالقيام فلم يتمكن وذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل فلما وصلت الى جوفه اشتهى الطعام فهو أوّل حرص دخل فى جسد آدم ثم انتشر الروح فى جسده كله فصار لحما ودما وعروقا وعصبا ثم كساه لباسا من ظفر يزداد كل يوم حسنا فلما قارف الذنب بدّل هذا الظفر وبقيت منه بقية فى أنامله ليتذكر بذلك أوّل حاله ولذلك اذا ضحك الانسان فنظر الى ظفره نسى الضحك فلما أتم الله خلق آدم ونفخ فيه الروح قرطقه وشنفه وسوّره وألبسه من لباس الجنة وزينه بأنواع الزينة فخرج من ثناياه نور كشعاع الشمس ونور محمد صلّى الله عليه وسلم يلمع من جسده كالقمر ليلة البدر ثم رفعه على سرير وحمله على أكناف الملائكة وأدخله الجنة كما سيجىء* وفى بحر العلوم فلما نفخ الروح فى آدم صار فى رأسه وعينيه وأذنيه ولسانه ثم صار فى جسده كله حتى بلغ قدميه فلم يجد منفذا فرجع ليخرج من منخريه فعطس فقال له ربه قل الحمد لله رب العالمين فقالها آدم فقال يرحمك الله ولذلك خلقتك فلما انتهى الى ركبتيه أراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغت قدميه وثب فقال الله تعالى وكان الانسان عجولا فصار بشرا ودما وعظما وعروقا وعصبا واحشاء*