بمكة بعهد السفاح لانه كان حج فى تلك السنة ومكث فى الخلافة احدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا كذا فى سيرة مغلطاى وفيها حج أبو مسلم الخراسانى ووقع منه فى حق المنصور أمور نقمها عليه وقتله لما ولى الخلافة* والمنصور هذا هو الذى بنى بغداد وقتل أبا مسلم الخراسانى واسمه عبد الرحمن وضرب أبا حنيفة على أن يلى القضاء فامتنع ومات فى حبسه كذا فى سيرة مغلطاى وهو والد جميع الخلفاء العباسية* ولما بلغ نائب الشام عم السفاح وهو عبد الله بن على موت السفاح زعم انّ السفاح عهد اليه فى حياته بالخلافة بعده وأنه على ذلك حارب مروان حتى هزمه واستأصله وأقام بذلك شهودا ودعا الى نفسه فبايعه جيشه وعسكر بدابق فجهز المنصور لحربه صاحب الدولة أبا مسلم الخراسانى فكان المصاف بنصيبين وكانت وقعة هائلة فانكسر الشاميون وهرب عبد الله الى البصرة ونائبها أخوه فاختفى عنده وحاز أبو مسلم خزائنه وكانت عظيمة لانه استولى على ذخائر بنى أمية ونعمتهم فبعث المنصور يقول لابى مسلم احتفظ بمالى فعظم ذلك عليه وعزم على خلع المنصور وسار بجيشه يريد خراسان ليقيم بها خليفة علويا فراسله المنصور يستعطفه ويعتذر اليه فما زال بتحيله عليه حتى انخدع ووقع فى مخالبه وجاء الى خدمته فبالغ المنصور فى تعظيمه وكان اذا ركب الى الخدمة يركب فى ثلاثة آلاف فكلمه ابن عم الخليفة فى أن يختصر هذا الموكب فما زالوا به حتى كان يركب فى مائة فارس فدخل يوما الى المنصور وقد أعدّ له عشرين بالسلاح فى مجلس وقال اذا رأيتمونى أصفق بيدى فدونكم عدوّ الله فدخل والحجاب يمنعون امراءه من الدخول حتى بقى وحده فأخذ المنصور يعنفه ويتنمر له ويعدّد ذنوبه بعد أن قال له أرنى سيفك هذا فأخذه ونظر فيه ووضعه تحت طراحته فبقى أبو مسلم يعتذر ويقول ما قتلت من سمى مولانا أمير المؤمنين الا فى اقامة دولتكم ثم صفق المنصور بيده فخرج العشرون فذل أبو مسلم وقال يا أمير المؤمنين استبقنى لعدوّك فقال وهل أعدى لى منك فقطعوه فى الحال ولف فى بساط وألقوا رأسه الى أصحابه خارج القصر ونثروا لهم ذهبا عظيما فاشتغلوا بذلك يقال انّ أبا مسلم كان جبارا مهيبا سفاكا للدماء أباد أمما لا يحصون حتى قيل انه قتل ستمائة ألف محاربة وصبرا وعاش سبعا وثلاثين سنة*
[ذكر من مات من المشاهير فى خلافة أبى جعفر المنصور]
وفى سنة احدى وأربعين ومائة مات موسى بن عقبة صاحب المغازى بالمدينة وكان فقيها مفتيا من التابعين وفيها أمر المنصور بعمارة جدار الحجر فعملوه بالرخام وكان قبل ذلك مبنيا بحجارة بادية ليس عليها رخام كذا فى شفاء الغرام* وفى سنة اثنتين وأربعين ومائة مات شيخ الكوفة خالد بن مهران الحذاء الحافظ وعم الخليفة سليمان بن على العباسى أمير البصرة عن ستين سنة وفى سنة ثلاث وأربعين ومائة مات حميد الطويل وسليمان التيمى صاحب أنس بن مالك وكانا من الائمة الكبار وقد مكث سليمان التيمى أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما ويصلى الصبح بوضوء العشاء وفى سنة خمس وأربعين ومائة أمر المنصور ببناء مدينة بغداد*
[سبب بناء بغداد]
روى ان المنصور خرج يوما الى الصيد وسار الى أن وصل الى الدجلة وأرض بغداد ولم يكن حينئذ هناك بلد ولا عمارة سوى دير لراهب ومزرعة فطلب المنصور الراهب واستخبره عن اسمه وعن اسم الارض فقال اسمى باغ وهذه الارض اسمها داد وقرأت فى كتاب اقليد سيات والملاحم ان لا بدّ أن يعمر ههنا مدينة مذكورة الى آخر الزمان فاشتراها منه وبنى فيها مدينة وسميت بغداد باسم الراهب والارض فرسمها أولا بالرماد وأسس أسوارها وبنيت مستديرة وفى وسطها قصر السلطنة وفرغ بناؤها فى أربع سنين* وفى سنة ثمان وأربعين ومائة توفى سيد بنى هاشم جعفر بن محمد الصادق أبو عبد الله العلوى المدنى وله ثمان وستون سنة* وفى سنة تسع وأربعين ومائة مات بالبصرة كهمس بن الحسين من صغار التابعين* وفى سنة خمسين ومائة مات امام أهل الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكى صاحب عطاء وهو أوّل من صنف