الاربعين سنة فكيف بوصف به قبل وجوده وارساله أجاب الغزالى فى كتاب النفخ والتسوية عن هذا وعن قوله أنا أوّل الانبياء خلقا وآخرهم بعثا بأن المراد بالخلق هنا التقدير دون الايجاد فانه قبل أن ولدته أمّه لم يكن موجودا مخلوقا ولكن الغايات والكمالات سابقة فى التقدير لاحقة فى الوجود قال وهو معنى قولهم أوّل الفكرة آخر العمل وآخر العمل أوّل الفكرة وبيانه أن المهندس المقدّر للدار أوّل ما يمثل فى نفسه صورة الدار ثم يقدّر ما يمثل فيحصل فى تقديره دارا كاملة وآخر ما يوجد من أعماله هى الدار الكاملة فالدار الكاملة هى أوّل الاشياء فى حقه تقديرا وآخرها وجودا لان ما قبلها من ضرب اللبنات وبناء الحيطان وتركيب الجذوع وسيلة الى غاية وكمال وهى الدار فالغاية هى الدار ولأجلها تقدّم الآلات والاعمال ثم قال وأما قوله كنت نبيا فاشارة الى ما ذكرناه وانه كان نبيا فى التقدير قبل تمام خلقة آدم عليه الصلاة والسلام لانه لم ينشئ خلق آدم الا لينتزع من ذرّيّته محمدا صلى الله عليه وسلم ويستصفيه تدريجا الى أن يبلغ كمال الصفا قال ولا تفهم هذه الحقيقة الا بأن يعلم أن للدار وجودين وجودا فى ذهن المهندس ودماغه وانه ينظر الى صورة الدار خارج الذهن فى الاعيان والوجود الذهنى سبب الوجود الخارجى العينى فهو سابق لا محالة وكذلك فاعلم أن الله تعالى يقدّر ثم يوجد على وفق التقدير ذكر هذا كله فى المواهب اللدنية* وعن كعب الاحبار قال لما أراد الله تعالى أن يخلق محمدا صلى الله عليه وسلم أمر جبريل فأتاه بالقبضة البيضاء التى هى موضع قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم فعجنت بماء التسنيم ثم غمست فى انهار الجنة وطيف بها فى السموات والارض فعرفت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف آدم عليه السلام ثم عجنها بطينة آدم* عن ابن عباس عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال كنت نورا بين يدى الله قبل أن بخلق الله عز وجل آدم بألفى عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور فى صلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهبطنى الله الى الارض فى صلب آدم وجعلنى فى صلب نوح فى السفنة وقذف بى فى النار فى صلب ابراهيم ثم لم يزل ينقلنى من الاصلاب الكريمة والارحام الطاهرة حتى أخرجنى من أبوىّ لم يلتقيا على سفاح قط* وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى من أنفسكم قال نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح قال ابن الكلبى كتبت للنبىّ صلى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا ولا شيئا مما كان عليه الجاهلية ذكر هذه الثلاثة فى الشفاء وفى الصفوة عن واثلة بن الاسقع أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من بنى اسماعيل كتانة واصطفى من كتانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم انفرد باخراجه مسلم*
[(حديث صور الانبياء)]
* عن هشام بن العاصى قال بعثنى أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه ورجلا من قريش الى هرقل صاحب الروم ندعوه الى الاسلام فلما وصلنا اليه أمر لنا بمنزل حسن ونزلنا فأقمنا ثلاثا فأرسل الينا فدخلنا عليه فدعا بشئ كالربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فاذا فيها صورة حمراء واذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه واذا ليس له لحية واذا له ظفيرتان أحسن ما خلق الله تعالى فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم عليه الصلاة والسلام واذا هو أكثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة بيضاء واذا رجل له شعر قطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلب الجبين طويل الخدّ شارع الانف أبيض اللحية كأنه يتبسم قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا ابراهيم