وانا نتخذ شرابا من هذا القبح نتقوّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال هل يسكر قلت نعم قال فاجتنبوه قلت فانّ الناس غير تاركيه قال فان لم يتركوه فقاتلهم وهذا تنبيه على العلة التى لاجلها حرم المزر فوجب أنّ كل شئ عمل عمله يجب تحريمه ولا شك أنّ الحشيش يعمل ذلك وفوقه* وروى أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه عن أمّ سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر* قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر فى الاطراف وهذا الحديث أدل دليل على تحريم الحشيشة وغيرها من المخدّرات فانها وان لم تكن مسكرة كانت مفترة مخدّرة ولذا يكثر النوم من متعاطيها وتثقل رؤسهم بواسطة تبخيرها فى الدماغ* وقد نقل الاجماع على تحريمها غير واحد منهم القرافى واختلف هل يحرم تعاطى اليسير الذى لا يسكر فقال النووى فى شرح المهذب انه لا يحرم اكل القليل الذى لا يسكر من الحشيش بخلاف الخمر حيث حرم قليلها الذى لا يسكر والفرق أنّ الحشيش طاهر والخمر نجس فلا يجوز شرب قليله للنجاسة وتعقبه الزركشى بأنه صح فى الحديث ما أسكر كثيره فقليله حرام قال والمتجه أنه لا يجوز تناول شىء من الحشيش لا قليل ولا كثير* وأمّا قول النووى انها طاهرة وليست نجسة فقطع به ابن دقيق العيد وحكى الاجماع قال والافيون وهو لبن الخشخاش أقوى فعلا من الحشيش لان القليل منه يسكر جدّا وكذلك السيكران وجوز الطيب مع أنه طاهر بالاجماع انتهى*
[مضار الحشيشة]
وقد جمع بعضهم فى الحشيش مائة وعشرين مضرّة دينية وبدنية حتى قال بعضهم كل ما فى الخمر من المذمومات موجود فى الحشيش وزيادة فانّ أكثر ضرر الخمر فى الدين لا فى البدن وضررها فيهما* فمن ذلك فساد العقل وعدم المروءة وكشف العورة وترك الصلاة والوقوع فى المحرّمات وقطع النسل والبرص والجذام والاسقام والرعشة والابنة ونتن الفم وسقوط شعر الاجفان وحفر الاسنان وتسويدها وتضييق النفس وتصفير اللون وتنقيب الكبد وتجعل الاسد كالجعل وتورث الكسل والفشل وتجعل العزيز دليلا والصحيح عليلا والفصيح أبكم والصحيح أثلم وتذهب السعادة وتنسى الشهادة فصاحبها بعيد من السنة طريد عن الجنة موعود من الله باللعنة الا أن يقرع من الندم سنه ويحسن بالله ظنه ولقد أحسن القائل فيما قال
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... يا خسيسا قد عشت شرّ معيشه
دية العقل بدرة فلماذا ... يا سفيها قد بعتها بحشيشه
أبو كثير به أفتى وكم رجل ... أفتوا بتحريمه قطعا وقد جزما
فذر مقالة قوم قد غدوا سفها ... يحللون الذى قد حرّم العلما
[صفة الميسر]
وأمّا الميسر فهو القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعليهما يقال يسرته اذا قمرته واشتقاقه من اليسر لانه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب أو من اليسار لانه سلب يساره* وعن ابن عباس كان الرجل فى الجاهلية يخاطر على أهله وماله وصفة الميسر كانت لهم عشرة أقداح وهى الازلام والاقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفج والوغد ولبعضهم شعر
وأقداح أزلام القمار عديدة ... فثنتان منها مسبل وسفيح
وفذ وحلس والمعلى ونافس ... رقيب ووغد توأم ومنيح
لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزؤنها عشرة أجزاء وقيل ثمانية وعشرين جزآ الا