أنّ خزاعة وبنى العنبر أعانوا بنى تميم ولما رأى العامل ذلك رجع الى المدينة وأخبر به النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث اليهم عيينة بن حصن الفزارى فى خمسين راكبا من العرب ليس فيهم مهاجرىّ ولا انصارىّ وكان عيينة يسير بالليل ويختفى بالنهار حتى هجم عليهم فى صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فلما رأوا الجمع هربوا وأخذ المسلمون منهم احد عشر رجلا ووجدوا فى محلهم احدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا وقدموا بهم المدينة وحبسوا بها وقدم فيهم عشرة من رؤسائهم منهم قيس بن عاصم وعطارد ابن حاجب والزبرقان بن بدر والاقرع بن حابس ولما رأوهم بكى اليهم النساء والذرارى فعجلوا فجاؤا الى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوا يا محمد اخرج الينا نفاخرك ونشاعرك فانّ مدحنازين وذمّنا شين قيل كانوا تسعين أو ثمانين رجلا ونزل فيهم انّ الذين ينّادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بلال الصلاة فتعلقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه فوقف معهم ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس فى صحن المسجد فلم يزد فى جوابهم على أن قال ذلك الله اذا مدح زان واذا ذمّ شان انى لم أبعث بالشعر ولم أومر بالفخر ولكن هاتوا فقدّموا خطيبهم عطارد بن حاجب فتكلم وخطب فأمر عليه السلام ثابت بن قيس بن شماس أن يجيب خطيبهم فغلبه فقام شاعرهم الاقرع بن حابس فقال
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... اذا خالفونا عند ذكر المكارم
وانا رؤس الناس فى كل معشر ... وأن ليس فى أرض الحجاز كدارم
فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم حسانا أن يجيبه فقام وقال
بنى دارم لا تفخروا انّ فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتمو ... لنا خول ما بين قنّ وخادم
فكان أوّل من اسلم شاعرهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قيس بن عاصم هذا سيد أهل الوبر وردّ عليهم السبى وأمر لهم بالجوائز كما كان يجيز الوفود وثابت بن قيس بن شماس بمعجمة وميم مشدّدة وآخره مهملة وهو خزرجى شهد له النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجنة وكان خطيبه وخطيب الانصار واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتى عشرة فى خلافة أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه وسيجىء فى الفصل الثانى من الخاتمة فى خلافة أبى بكر*
[بعث الوليد بن عقبة الى بنى المصطلق]
وفى هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق من خزاعة مصدّقا وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد وكان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية فلما سمعوا بدنوه خزج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزر والغنم فرحا بقدومه وتعظيما لامر الله وأمر رسوله فحدّثه الشيطان انهم يريدون قتله فخافهم ورجع من الطريق قبل أن يصل اليهم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم تلقوه بالسلاح وأرادوا قتله* وفى المواهب اللدنية يحولون بينه وبين الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يبعث اليهم من يغزوهم فلما بلغهم خبر رجوع الوليد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله سمعنا بمجىء رسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه فرجع فخشينا أن يكون ردّه بلوغ كتاب منك لغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد فى عسكر خفية وأمره أن يخفى عليهم قدومه وقال له انظر فان رأيت منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل فى الكفار فأتاهم خالد فسمع منهم أذان صلاتى المغرب والعشاء فأخذ صدقاتهم ولم ير منهم الا الطاعة والخير وانصرف خالد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الاية فقرأ عليهم