قريش وأذعنت للاسلام عرفت العرب انهم لا طاقة لهم بحربه وعداوته فدخلوا فى دين الله أفواجا يضربون اليه من كل وجه بقول الله تعالى لنبيه اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا جماعات فسبح بحمد ربك أى فاحمد الله على ما ظهر من دينك واستغفره انه كان توابا اشارة الى انقضاء أجله واقتراب لحاقه برحمة ربه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا كذلك قال ابن عباس وقد سأله عمر بن الخطاب عن هذه السورة فلما اجابه بنحو هذا المعنى قال عموما أعلم منها الا ما تعلم*
[هجره صلى الله عليه وسلم نساءه]
وفى هذه السنة هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وقال ما أنا بداخل عليكنّ شهرا وفى المواهب اللدنية وجحش شقه أى خدش وجلس فى مشربة له درجها من جذوع النخل وأتاه أصحابه يعودونه يصلى بهم جالسا وهم جلوس* وفى المنتقى وفى سبب ذلك قولان أحدهما ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى بيت حفصة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى زيارة أبيها فأذن لها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مارية وأدخلها فى بيت حفصة وواقعها فلما رجعت حفصة أبصرت مارية فى بيتها مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت وقالت انى رأيت من كانت معك فى البيت فغضبت وبكت فلما رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى وجهها الغيرة قال لها اسكتى فهى علىّ حرام أبتغى بذلك رضاك وحلف أن لا يقربها وقال لها لا تخبرى أحدا بما أسررت اليك فأخبرت بذلك عائشة وقالت قد أراحنا الله من مارية فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّمها على نفسه وقصت عليها القصة وكانت بينهما مصافاة وتظاهر فطلقها واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة فى بيت مارية فنزل جبريل عليه السلام وقال له راجعها فانها صوّامة قوّامة وانها لمن نسائك فى الجنة* وفى رواية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية فى يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها اكتمى علىّ وقد حرّمت مارية على نفسى وأبشرك ان أبا بكر وعمر يملكان بعدى أمر أمتى فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين وقيل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له انما نشم منك ريح مغافير فحرم العسل فنزلت هذه الاية وهى يا أيها النبىّ لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغى مرضاة أزواجك الاية والثانى انه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه فأرسلت الى زينب بنت جحش بنصيبها فردّته فقال لها زيديها فزادته ثلاث مرّات وكل مرّة تردّه فقال لا أدخل عليكنّ شهرا فاعتزل فى مشربة ثم نزل بعد تسع وعشرين ليلة فبدأ بعائشة فقالت له يا رسول الله كنت أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا وانما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا فقال الشهر تسع وعشرون ليلة وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين*
[غزوة تبوك]
وفى رجب هذه السنة لستة أشهر وخمسة أيام خلت منها وقعت غزوة تبوك وهى آخر غزواته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر ابن اسحاق وتبوك مكان معروف وهو نصف طريق المدينة الى دمشق وهى غزوة العسرة وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها وكانت يوم الخميس فى رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف وذكر البخارى لها بعد حجة الوداع خطأ من النساخ كذا فى المواهب اللدنية* وقصتها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من غزوة الطائف وعمرة الجعرانة مكث بالمدينة ما بين ذى الحجة الى رجب ثم أمر أصحابه بالتهيؤ الى غزوة الروم وذلك أنه قدم المدينة جماعة من الانباط بالدرمك والزيت وغير ذلك من متاع الشام فذكروا ان الروم قد جمعت بالشام جموعا كثيرة لقتال المسلمين وان هرقل قد رزق أصحابه لسنة وكان معهم بنو لخم وجذام وغسان وعاملة واجتمعوا وقدموا مقدّماتهم الى البلقاء وعسكروا بها وتخلف هرقل بحمص وكانوا كاذبين فى ذلك ولم يكن من ذلك شئ وانما ذلك شئ قيل لهم فأرجفوا به* وروى