البلاد البعيدة فى أقرب زمان ولا ينشف له لبد وكان هجاما شهما بعيد الغور فاتكا كثير الغدر قليل النوم نزر الراحة وكان لا يعبأ بملبوس بل ثيابه وعدة فرسه تساوى دينارا أو نحوه وقد ذهب اليه رسول صاحب اربل فقال كان عدّة عسكر خوارزم شاه محمد ممن هو داخل فى طاعته ثلثمائة ألف وخمسين ألفا* وكانت دولته احدى وعشرين سنة ومات كهلا فرّ من التتار الى بحيرة مازندران فمرض بالاسهال وطلب الدواء فأعوزه الخبز ومات فى المركب غريبا وقام بعده ابنه جلال الدين خوارزم شاه* وفى سنة ثمان عشرة وستمائة جمع جلال الدين خوارزم شاه جيوش أبيه والتقى التتار وعليهم تولى ابن جنكيزخان فكسرهم جلال الدين ووضع فيهم السيوف قتلا وأسرا وقيل تولى فى المصاف وهذا هو أبو هولاكو* فلما بلغ الخبر أباه جنكيزخان قامت قيامته وجمع جيشه وسار مجدّا الى السند وكان السلطان جلال الدين قد فارقه بعض الجيش فالتقى جنكيزخان فى شوّال من السنة وحمل على القلب فمزقهم فولى جنكيزخان منهزما لكن كان له كمين عشرة آلاف فخرجوا على ميمنة جلال الدين وعليها الامير ملك فانكسرت وأسر ابن جلال الدين وتبدد نظامه فتقهقر الى حافة نهر السند فرآى نساءه وأمّه يصحن بالله اقتلنا لا نقع فى الاسر فأمر بتغريقهنّ وركبه العدوّ والبحر من بين يديه فرفس فرسه فى الماء على انه يغرق فسبح به فرسه ذلك النهر العظيم وخلص الى الجهة الآخرى هو ونحو أربعة آلاف فارس عراة جياعا فلما عرف متولى تلك الناحية انّ خوارزم شاه دخل فى أرضه طلبه بالفارس والراجل فانهزم منه خوارزم شاه ليختفى فى الشجر* ثم دهمه ملك الهند وحمل على خوارزم شاه فثبت له حتى قاربه فرماه بسهم ما أخطأ فواده فسقط وانهزم جيشه فحاز خوارزم شاه الغنيمة فعاش بذلك وقدم سجستان فتقوى بها* وأما التتار فوصلوا الى حدّ العراق وفنيت الناس وحصروا بغداد فأنفق الناصر لدين الله الاموال* وفيها عند أخذ خوارزم استشهد شيخ العارفين نجم الدين الكبرى أحمد بن عمر أبو الجناب الخيوقى ومات مسند دمشق موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلى* وفى سنة تسع عشرة وستمائة مات محدث دمشق الحافظ تقى الدين اسماعيل بن عبد الله بن الانماطى المصرى كهلا* وفى سنة عشرين وستمائة كان فرقة عظيمة من التتار قد جاوزوا دربند شيرين الى صحراء القفجاق فجرت بينهم وبين القفجاق والروس وقعة عظيمة صبر فيها الجمعان وكثر القتل ثم انهزمت القفجاق وراح أكثرهم تحت السيف* وفى سنة احدى وعشرين وستمائة رجعت التتار من أرض القفجاق وأتوا الرىّ وقد تعمرت فوضعوا فى أهلها السيف وجعلوا كذلك بساوة وقم وقاشان وهمدان ثم قصدوا توريز فالتقاهم خوارزم شاه وكان كسرهم أخو خوارزم شاه وهو غياث الدين فتملك شيراز بلا كلفة وهرب منه صاحبها اتابك سعد بن زنكى الى قلعة اصطخر ثم داهنه سعد وسار تبعا وفيها انفصل خوارزم شاه جلال الدين عن الهند وكرمان وجاء فاستولى على مملكة اذربيجان وأقام الناصر لدين الله فى الخلافة ستة وأربعين سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما الى ان مات فى ليلة الاحد سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة وكانت خلافته سبعا وأربعين سنة وتوفى وله سبعون سنة وتحلف بعده ابنه الظاهر بأمر الله*
[(خلافة الظاهر بأمر الله أبى النصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد الهاشمى العباسى)]
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد ومولده فى المحرّم سنة سبعين وخمسمائة* صفته* كان جميل الصورة أبيض اللون مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوّة بويع بالخلافة بعد موت أبيه الناصر لدين الله فى سنة اثنتين وعشرين وستمائة وله اثنتان وخمسون سنة الاشهر او فيها سار صاحب الروم علاء الدين كيقباد فأخذ قلاعا لصاحب آمد* وفى أيامه فى سنة ثلاث وعشرين وستمائة قال ابن الاثير فى كامله صاد صاحب لنا أرنبا ولها ذكر وانثيان ولها أيضا فرج فشقوها فاذا فى بطنها