للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محش حرب لو كان معه رجال وفى هذا الكلام ايماء لابى بصير الى الفرار ورمز للمؤمنين الذين كانوا بمكة أن يلحقوا به فلما سمع ذلك أبو بصير عرف أنه سيردّه الى قريش فخرج حتى نزل سيف البحر موضعا يقال له العيص من ناحية المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذى كانوا يأخذونه الى الشام وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فخرجوا الى أبى بصير بالعيص فاجتمع اليه قريب من سبعين رجلا منهم وذكر موسى ابن عقبة ان أبا جندل بن سهيل بن عمرو الذى ردّ الى قريش بالحديبية مكرها يوم الصلح والقضية هو الذى انفلت فى سبعين راكبا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبى بصير ونزلوا مع أبى بصير فى منزل كريه الى قريش فقطعوا مادتهم من طريق الشام وكان أبو بصير على ما زعموا وهو فى مكانه ذلك يصلى بأصحابه فلما قدم عليهم أبو جندل كان هو يؤمّهم واجتمع الى أبى جندل أناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل وهم مسلمون فأقاموا مع أبى جندل وأبى بصير لا تمرّ بهم عير لقريش الا أخذوها وقتلوا أصحابها وقال فى ذلك أبو جندل فيما ذكره غير ابن عقبة شعرا

أبلغ قريشا عن أبى جندل ... أنا بذى المروة بالساحل

فى معشر تخفق أيمانهم ... بالبيض فيها والقنا الذابل

يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد اسلامهم الواصل

أو يجعل الله لهم مخرجا ... والحق لا يغلب بالباطل

فيسلم المرء باسلامه ... أو يقتل المرء ولا يأتل

فأرسل قريش أبا سفيان بن حرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ويتضرّعون اليه ويناشدونه بالله والرحم أن يرسل الى أبى بصير وأبى جندل بن سهيل ومن معهم فيقدموا عليه وقالوا انا أسقطنا هذا الواحد من الشروط فمن أتاه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالوا من خرج منا اليك فأمسكه فى غير حرج فانّ هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح اقراره فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع أبا جندل من أبيه يوم الصلح والقضية أنّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فيما أحبوا وفيما كرهوا وانّ رأيه أفضل من رأيهم* وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبى جندل وأبى بصير يأمرهم أن يقدموا عليه بالمدينة ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا الى بلادهم وأهليهم ولا يتعرّضوا لاحد مرّ بهم من قريش وعيرانها فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى جندل وأبى بصير وكان أبو بصير حينئذ مشرفا على الموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده يقتريه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أناس من أصحابه ورجع سائرهم الى أهليهم وأمنت عيران قريش ولم يزل أبو جندل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد ما أدرك من المشاهد بعد ذاك وشهد الفتح ورجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل معه بالمدينة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم أبوه سهيل بن عمرو المدينة أوّل امارة عمر بن الخطاب رضى الله عنه فمكث بها شهرا ثم خرج الى الشام يجاهد وخرج معه ولده أبو جندل فلم يزالا مجاهدين حتى ماتا جميعا هناك رحمهما الله وظاهر بعض روايات البخارى يدل على أنّ قوله تعالى وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة الاية نزلت فى قصة أبى بصير والله أعلم*

[بيان حكم الظهار]

وفى هذه السنة نزل حكم الظهار وذلك أنّ أوس ابن الصامت غضب على زوجته خولة بنت ثعلبة ذات يوم وقال لها أنت علىّ كظهر أمى وكان ذلك أوّل ظهار فى الاسلام وكان الظهار طلاقا فى الجاهلية ثم ندم على ما قال فأتت خولة النبىّ

<<  <  ج: ص:  >  >>