أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقينا من شوّال قال ابن سيد الناس هذا ضعيف والمعروف عند أهل السير هو الاوّل انه اعتمر فى ذى القعدة قال فطاف وسعى وحلق رأسه وحالقه أبو هند ففرغ من عمرته ليلا ثم رجع الى الجعرانة من ليلته وأصبح بها كبائت* وفى تاريخ الازرقى عن مجاهد أنه عليه السلام أحرم من وراء الوادى حيث الحجارة المنصوبة* وفى معجم ما استعجم روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى المسجد فركع ما شاء ثم أحرم ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقى طريق مكة فأصبح بمكة كبائت* وفى المواهب اللدنية عن الواقدى أنه أحرم من المسجد الاقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى وكان مصلاه اذ كان بالجعرانة والجعرانة موضع بينه وبين مكة بريد كما قاله الفاكهانى وقال الباجى ثمانية عشر ميلا وسميت بامرأة تلقب بالجعرانة كما ذكره السهيلى* وفى الاكتفاء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا وأمر ببقايا الفئ فحبس بمجنة بناحية مرّ الظهران فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس فى الدين ويعلمهم القرآن وأتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفئ ولما استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتابا على مكة رزقه فى كل يوم درهما فقام عتاب خطيبا فى الناس فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهما فليست لى حاجة الى أحد* وكانت عمرة رسول الله فى ذى القعدة وقدم المدينة فى بقيته أو فى أوّل ذى الحجة وقد غاب عنها شهرين وستة عشر يوما وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه وحج عتاب ابن أسيد بالمسلمين فيها وهى سنة ثمان وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم فى طائفهم ما بين ذى القعدة اذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رمضان سنة تسع*
[اسلام عروة بن مسعود]
وفى هذه السنة أسلم عروة ابن مسعود الثقفى وقتل* وفى الاكتفاء وكان من حديث ثقيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل الى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع الى قومه بالاسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم قاتلوك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ فيهم نخوة الامتناع الذى كان منهم فقال عروة يا رسول الله أنا أحب اليهم من أبكارهم ويقال من أبصارهم وكان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه الى الاسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل جهة فأصابه سهم فقتله فقيل له ما ترى فى دمك قال كرامة أكرمنى الله بها وشهادة ساقها الله الىّ فليس فىّ الا ما فى الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنونى معهم فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انّ مثله فى قومه كمثل صاحب يس فى قومه* ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الطائف كتب بجير بن زهير بن ابى سلمى الى أخيه كعب بن زهير يخبره بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم كعب فى السنة التاسعة المدينة وأسلم وستجىء قصته فى السنة التاسعة* وفى هذه السنة بعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن فى أربعمائة فارس وأمره أن يقاتل قبيلة صداء حين مروره عليهم فى الطريق فقدم زياد بن الحارث الصدائى فسأل عن ذلك البعث فأخبر فقال يا رسول الله أنا وافد فاردد الجيش فأنا لك بقومى فردّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قناة وقدم الصدائيون بعد خمسة عشر يوما*
تزوّجه عليه السلام بمليكة الكندية
وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة الكندية وكان قتل أبوها قبل الفتح فقال لها بعض أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم ألا تستحيين أن تتزوّجى رجلا قتل أباك فاستعاذت ففارقها وقد مرّ فى الباب الثالث فى حوادث السنة الخامسة