كان أبيض اللون تركى الوجه مليح العينين أنور الجبهة أقنى الانف خفيف العارضين اشقر اللحية رقيق المحاسن بويع بالخلافة فى بغداد بعد موت أبيه فى أوّل ذى القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة وكان نقش خاتمه رجائى من الله عفوه لم تكن خلافة أحد من بنى العباس قبله أطول مدّة منه وفى أيامه ظهرت القسى ببغداد والرمى بالبندق ولعب الحمام وتفنن الناس فى ذلك* قال الذهبى كان يعانى البندق والحمام فى شبيبته وكان له عيون على كل سلطان يأتونه بالاسرار حتى كان بعض الكبار يعتقد فيه انّ له كشفا واطلاعا على المغيبات* وفى أيامه سنة ثمان وخمسمائة مات حافظ الاندلس أبو القاسم خلف ابن عبد الملك بن بشكوال القرطبى وله أربع وثمانون سنة* وفى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة مات مسند بغداد أبو السعادات نصر الله القزاز وله اثنتان وتسعون سنة* وفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة مات شيخ الحنفية بماوراء النهر شمس الائمة عمر بن الزرنجرى الجابرى والحافظ المصنف أبو بكر محمد بن موسى الحازمى الهمدانى* وفى تسعين وخمسمائة توفى شيخ القراء أبو محمد القاسم بن فيره بن خلف الرعينى الشاطبى ناظم الشاطبية وله اثنتان وخمسون سنة* وفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة مات ببغداد شيخ الوقت العلامة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزى الحنبلى الواعظ ببغداد صاحب التصانيف وتصانيفه مشهورة وكان كثير الوقيعة فى الناس لا سيما العلماء المخالفين لمذهبه وكان مولده سنة عشر وخمسمائة كذا فى الكامل* وفى سنة تسع وتسعين وخمسمائة فى أوّلها ماجت النجوم ببغداد وتطايرت شبه الجراد ودام ذلك الى الفجر وضح الخلق الى الله تعالى وفى سنة ثلاث وستمائة قدم ببغداد للحج شيخ الحنفية برهان الدين صدر جهان وفى صحبته ثلثمائة فقيه وفيها مات مسند أصبهان أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلانى وله أربع وتسعون سنة*
[وقعة خوارزم شاه مع التتار وابتداء ظهورهم]
وفى سنة أربع وستمائة مات المعمر أبو على حنبل بن عبد الله الرصافى راوى المسند وله ثلاث وتسعون سنة وفيها عدّى خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش الى ماوراء النهر بجيوش عظيمة فالتقاه صاحب الخطا وتمت بينهم وقعات كبار آخرها انهزم المسلمون وأسر خلق وأسر السلطان خوارزم شاه مع أمير أسرهما الخطائى فأظهر السلطان انه مملوك لذلك الامير وقلعه خفه فاحترم الخطائى ذلك الامير ثم بعد أيام قال الامير للخطائى انى أخاف ان يظنّ أهلى انى قتلت فيقتسموا أموالى فقرّر علىّ شيئا حتى أبصر كيف أعمل فقرّره فقال أتأذن لغلامى هذا يذهب ويحضر الذهب فأذن له وبعث معه من يخفره الى خوارزم فنجا السلطان وتمت الحيلة وزينت بلاده وضربت البشائر ثم انّ الخطائى قال للامير انّ سلطانكم عدم قال أو ما تعرفه قال لا قال هو غلامى الذى بعثته فعض الخطائى على يده وبهت وقال هلا كنت أعلمتنى حتى كنت سرت بين يديه وخدمته الى مقر ملكه قال خفت عليه قال فانهض بنا الى خدمته فسارا جميعا الى باب خوارزم شاه* وفى سنة خمس وستمائة أخذت الكرج أرجيش وقتلوا أهلها وفى سنة ست وستمائة حاصرت الكرج خلاط وكادوا ان يفتحوها فركب ملك الكرج سكران وحمل على البلد فتقنطر به فرسه وتسارع اليه المسلمون فأسروه وقتلوا حوله جماعة فانهزم جيشه وفيها عبر خوارزم شاه جيحون فى جحفل عظيم فالتقى الخطا فكسرهم وقتل من الخطا مقتلة عظيمة لم يسمع بمثلها وأسر سلطانهم طاينكو وأحضر الى بين يدى خوارزم شاه فأكرمه وأجلسه معه على السرير ثم افتتح عدّة مدائن قهرا وصالحا وفى هذا الوقت كان مبدأ ظهور التتار فانهم كانوا ببادية الخطا فلما سمعوا بالهزيمة العظمى على الخطا قصدوهم مع كشلوخان وعلم خوارزم شاه انه لا طاقة له بالتتار فأمر أهل ممالكه من ناحية الخطا كأهل فرغانة والشاش واسبيجاب بالجلاء والانجفال الى بخارى وسمرقند الى ان أخلى تلك البلاد النزهة العامرة وخربها وصيرها مفاوز خوفا من ان يملكها التتار ويجاوروه