لاخيه هرون الرشيد وبويع بالخلافة ببغداد ثم اضمحل دسته واختفى سبع سنين* وفى سنة سبع وعشرين ومائتين مات زاهد الوقت بشر بن الحارث الحافى ببغداد وله خمس وسبعون سنة وكانت وفاة المعتصم بسرّ من رأى فى يوم الخميس تاسع عشر ربيع الاوّل كما تقدّم ذكره ومات وعمره سبع وأربعون سنة وسبعة أشهر وتخلف بعده ابنه هارون*
[(ذكر خلافة الواثق بالله هارون بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى)]
* أمير المؤمنين أبو جعفر وأمّه أمّ ولد رومية تسمى قراطيس ومولده لعشر بقين من شعبان سنة ست وتسعين ومائة بويع بالخلافة لما مات أبوه بعهد منه* قال الخطيب كان أحمد بن داود قد استولى على الواثق وحمله على تشديد المحنة ودعا الناس الى القول بخلق القرآن* قال الذهبى قيل انّ الواثق رجع عن ذلك قبل موته وترك المحنة بخلق القرآن لما أحضروا اليه رجلا مقيدا فقال أخبرونى عن هذا الرأى الذى دعوتم الامّة اليه أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع الناس اليه أم هو شئ ما علمه فقال أحمد بن أبى داود بل علمه قال فكيف وسعه صلى الله عليه وسلم ان يترك الناس ولم يدعهم اليه وأنتم لا يسعكم قال فبهتوا فاستضحك الواثق وقام قابضا على فمه ودخل بيتا وتمدّد وهو يقول وسع نبى الله أن يسكت ولا يسعنا فأمر بفك أقياد الشيخ وأن يعطى ثلثمائة دينار وأن يردّ الى بلده وهذا الذى قاله هذا الشيخ الزام وبحث لازم للمعتزلة وكان الواثق وافر الادب فصيحا قيل انّ جارية من جواريه غنته بشعر العرجى
أظلوم انّ مصابكم رجلا ... ردّ السلام تحية ظلم
فمن الحاضرين من صوّب نصب رجلا ومنهم من قال صوابه الرفع فقالت هكذا لقننى المازنى فطلب المازنى فلما حضر قال ممن الرجل قال من بنى مازن قال أى الموازن أمازن بنى تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قال مازن ربيعة قال المازنى فكلمنى حينئذ بلغة قومى فقال با اسمك لانهم يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت ان أواجهه بمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لها وأعجبته وقال ما تقول فى هذا البيت قلت الوجه النصب لانّ مصابكم مصدر بمعنى اصابتكم فأخذ البريدى يعارضنى فقلت هو بمنزلة ان ضربك زيدا ظلم فالرجل مفعول مصابكم والدليل عليه انّ الكلام معلق الى أن يقول ظلم فيتم فأعجب الواثق فأعطانى ألف دينار* وفى سنة تسع وعشرين ومائتين مات شيخ القراء خلف بن هشام البزاز ببغداد والعلامة نعيم بن حماد الخزاعى الحافظ صاحب التصانيف*
[ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الواثق بالله]
وفى سنة احدى وثلاثين ومائتين مات فقيه وقته الامام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطى صاحب الشافعى مسجونا لكونه أبى أن يقول القرآن مخلوق وهو أعلم أصحاب الشافعى وأعبدهم* وفيها مات شاعر العصر تمام الطائى حبيب بن أوس بالموصل كهلا* وفيها مات الخليفة الواثق بالله وكان قد أسرف فى التمتع بالنساء بحيث انه أكل لذلك لحم الاسد فولد له أمراضا تلف منها قيل لما احتضر جعل يردّد هذين البيتين
الموت فيه جميع الخلق تشترك ... لا سوقة منهم تبقى ولا ملك
ما ضرّ أهل قليل فى تفاقرهم ... وليس يغنى عن الاملاك ما ملكوا
ثم أمر بالبسط فطويت وألصق خدّه بالتراب وذل وأناب وافتقر الى الرحيم التوّاب وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه وكانت وفاته بمدينة سرّ من رأى فى يوم الاربعاء لست بقين من ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين عن بضع وثلاثين سنة متحرّقا فى تنور بدعائه على نفسه حين امتحن أحمد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين كذا فى سيرة مغلطاى وكانت دولته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام وتخلف بعده أخوه جعفر المتوكل*
[(ذكر خلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى)]
* أمير المؤمنين أبى الفضل أمه أم ولد تركية تسمى