حاطب عن ذلك كله ثم سأله عن صفته فوصفه حاطب ولم يستوف فقال له بقيت أشياء لم أرك تذكرها فى عينيه حمرة قلما تفارقه وبين كتفيه خاتم النبوّة ويركب الحمار ويلبس الشملة ويجتزى بالتمرات والكسرة ولا يبالى من لاقى من عم وابن عم قال حاطب فهذه صفته قال قد كنت أعلم انه قد بقى نبىّ وكنت أظنّ انّ مخرجه ومنبته بالشام وهناك تخرج الانبياء من قبله فأراه قد خرج فى العرب فى أرض جهد وبؤس والقبط لا يطاوعونى فى اتباعه ولا أحب ان تعلم محاورتى اياك وأنا أضن بملكى أن أفارقه وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى يظهر على ماههنا فارجع الى صاحبك فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين فارهتين وبغلة من مراكبى وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من لين وغير ذلك وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب فارحل من عندى ولا يسمع منك القبط حرفا واحدا* قال حاطب فرجعت من عنده وقد كان لى مكرما فى الضيافة وقلة اللبث ببابه انى ما أقمت عنده الا خمسة أيام وان فى الوفود وفود العجم من ببابه منذ شهر وأكثر* قال حاطب فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضنّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه هذا ما فى الاكتفاء* وفى غيره أهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار تركية منها مارية القبطية أمّ ابراهيم وأختها سيرين وكانت مارية من قرية يقال لها حفن من قرى كورة أنصنا بفتح أوّله واسكان ثانيه بعده صاد مهملة مكسورة ونون وألف ذكره فى معجم ما استعجم وجاريتين أخريين اسمهما غير معلوم وغلاما خصيا كان أخا لمارية وسيرين كذا فى بعض كتب السير* وفى حياة الحيوان اسمه مأبور وكان ابن عم مارية وكان يأوى اليها فقال الناس علج يدخل على علجة فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث عليا ليقتله فقال يا رسول الله أقتله أو أرى فيه رأيى فقال بل ترى رأيك فيه فلما رأى الخصى عليا ورأى السيف تكشف فاذا هو مجبوب ممسوح فرجع علىّ الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال عليه السلام ان الشاهد يرى مالا يرى الغائب* وفى سح السحابة ان رجلا كان يتهم بأمّ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام لعلىّ رضى الله عنه اذهب اليه فاضرب عنقه فأتاه علىّ فاذا هو فى ركى يتبرز فقال له علىّ اخرج فناوله يده فأخرجه فاذا هو مجبوب ماله ذكر ومات الخصى فى زمن عمر وكان عمر رضى الله عنه جمع الناس لشهود جنازته وصلى عليه ودفنه بالبقيع* قال الدميرى فى حياة الحيوان ذكر ابن مندة وأبو نعيم مأبور القبطى فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلطا فى ذلك فانه لم يسلم وما زال نصرانيا وفى زمنه فتح المسلمون مصر فى خلافة عمر رضى الله عنه وأهدى أيضا قدحا من قوارير كان عليه السلام يشرب فيه وثيابا من قباطى مصر وألف مثقال ذهبا وعسلا من عسل بنها فأعجب النبىّ صلى الله عليه وسلم العسل ودعا فى عسله بالبركة وفرسا يقال له لزاز وبغلة يقال لها الدلدل وحمارا يقال له عفير أو يعفور ووصلت تلك الهدايا سنة سبع وقيل سنة ثمان فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته فاختار مارية لنفسه وكان صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية وكانت بيضاء جميلة وضرب عليها الحجاب وكان يطؤها بملك اليمين فلما حملت بابراهيم ووضعته قبلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابراهيم فوهب له عبدا وذلك فى ذى الحجة من السنة الثامنة من الهجرة كما سيجىء* ووهب سيرين لحسان بن ثابت ووهب احدى الجاريتين لابى جهم بن حذيفة وبقيت البغلة الى زمان معاوية وهلك الحمار مرجعه من حجة الوداع ومات المقوقس فى خلافة عمر بن الخطاب على نصرانيته ودفن فى كنيسة أبى مجلس والله تعالى أعلم
* (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى الحارث بن أبى شمر الغسانى)