أسبابهم وأوفى الكيل لهم جعل السقاية يعنى مشربة يسقى بها وهى الصواع قيل كان يسقى بها الملك ثم جعلت صاعا يكال بها العزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب فدسوه فى رحل بنيامين* روى أنهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا ثم نادى مناد أيتها العير وهى الابل التى عليها الاحمال لانها تعير أى تذهب وتجىء والمراد أصحاب العير انكم لسارقون كناية عن سرقتهم اياه من أبيه قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير قال المؤذن وأنا به زعيم يريد أنا بحمل البعير كفيل أؤدّيه الى من جاء به وأراد وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله قالوا تالله قسم فيه معنى التعجب مما نسب اليهم ما جئنا لنفسد فى الارض* روى أنهم حين دخلوا كان أفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لاحد من أهل السوق وما كنا سارقين قالوا فما جزاء الصواع أى سرقته ان كنتم كاذبين فى جحودكم وادعائكم البراءة منها قالوا جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترق سنة فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين لنفى التهمة حتى بلغ وعاء فقال ما أظنّ هذا أخذ شيئا فقالوا والله لا يترك حتى تنظر فى رحله فانه أطيب لنفسك وأنفسنا ثم استخرج الصواع من وعاء أخيه قالوا ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل أرادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه وقيل كان فى المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة لابراهيم يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهى عمته بعد وفاة أمه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب أن ينتزعه منها فعمدت الى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقالت قد فقدت منطقة اسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها محزومة على يوسف فقالت انه لى سلم أفعل به ما شئت فحلاه يعقوب عندها حتى ماتت يقال فلان سلم فى أيدى بنى فلان أى أسير* وروى أنهم لما استخرجوا الصواع من رحل بنيامين نكس اخوته رؤسهم حياء وأقبلوا عليه فقالوا له فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصواع فقال بنو راحيل لا يزال منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخى فأهلكتموه فأسرّ يوسف فى نفسه مقالتهم قد سرق أخ له من قبل وتغافل عنها كأن لم يسمعها ولما أخذ بنيامين بعلة السرقة قالوا له يأيها العزيز ان له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه أى بدله فأبى وقال معاذ الله أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلما استيأسوا من يوسف واجابته انفردوا عن الناس متناجين فى تدبير أمرهم على أىّ صفة يذهبون وماذا يقولون لابيهم فى شأن اخيهم قال كبيرهم فى السنّ وهو روبيل أو فى العقل وهو يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرّطتم وقصرتم فى شأن يوسف فلن أبرح الارض أى لن أفارق أرض مصر حتى يأذن لى أبى فى الانصراف اليه أو يحكم الله لى فى الخروج منها او بالموت او بقتالهم ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا أبانا ان ابنك سرق وما شهدنا عليه بالسرقة الا بما علمنا من سرقته وما كنا للغيب حافظين أى ما علمنا انه سيسرق حين أعطيناك المواثيق واسأل اهل مصر عن كنه القصة واصحاب العير وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب وانا لصادقون فى قولنا فرجعوا الى ابيهم فقالوا له ما قال لهم اخوهم قال يعقوب بل سوّلت وسهلت لكم أنفسكم أمرا أردتموه والا فمن أدرى ذلك الرجل ان السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا أى بيوسف واخيه وكبيرهم وتولى وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به وقال يا اسفا على يوسف الاسف اشدّ الحزن والحسرة والالف بدل عن ياء الاضافة وابيضت عيناه من الحزن أى اذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الى بياض كدر قيل قد عمى بصره وقيل يدرك ادراكا ضعيفا قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الى حين لقائه