فغلبونى على رأيى حتى انطلقت به الى الكاهن فقصصت عليه قصته من أوّلها الى آخرها قال دعينى أنا أسمع من الغلام فان الغلام أبصر بأمره منكم تكلم يا غلام قالت فقص ابنى محمد قصته من أوّلها الى آخرها فوثب الكاهن قائما على قدميه وضمه الى صدره ونادى بأعلى صوته يا آل العرب يا آل العرب من شرّ قد اقترب اقتلوا هذا الغلام واقتلونى معه فانكم ان تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهنّ أحلامكم وليبدلنّ أديانكم وليعونكم الى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه* قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت أنت أعته وأجنّ من ابنى ولو علمت ان هذا يكون منك ما أتيتك به اطلب لنفسك من يقتلك فانا لا نقتل محمدا فاحتملته فأتيت به منزلى فما بقى يومئذ بيت فى بنى سعد الّا وجد منه ريح المسك وكان ينقض عليه فى كل يوم طيران أبيضان يغيبان فى ثيابه ولا يظهران فلما رأى أبوه ذلك قال لى يا حليمة انا لا نأمن على هذا الغلام وخشيت عليه من تباع الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه عندنا شىء قالت فلما عزمت على ذلك سمعت صوتا فى جوف الليل ينادى ذهب ربيع الخير وأمان بنى سعد هنيئا لبطحاء مكة اذا كان مثلك فيها يا محمد فالآن قد أمنت أن تخرب أو يصيبها بؤس بدخولك اليها يا خير البشر قالت فلما أصبخت ركبت اتانى ووضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم بين يدى فلم أكن أقدر مما كنت انادى يمنة ويسرة حتى انتهيت الى الباب الاعظم من أبواب مكة وعليه جماعة مجتمعون فنزلت لا قضى حاجتى وأنزلت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فغشيتنى كالسحابة البيضاء وسمعت صوتا شديدا ففرعت وجعلت ألتفت يمنة ويسرة ونظرت فلم أر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فصحت يا معشر قريش الغلام الغلام قالوا وما الغلام قلت محمد ابن آمنة فجعلت أبكى وأنادى وا محمداه فبينا أنا كذلك اذا أنا بشيخ كبير قد استقبلنى فقال لى مالك أيتها السعدية قلت ان لى لقصة عجيبة محمد ابن آمنة أرضعته ثلاث سنين لا افارقه ليله ولا نهاره فعيشنى الله به وأنضر وجهى وجئت لأؤدّى الى امّه الامانة ليخرج من عهدى وامانتى فاختلس منى اختلاسا قبل أن يمس قدمه الارض فقال الشيخ لا تبكى أيتها السعدية ادخلى على هبل فتضرّعى اليه فلعله يردّه عليك فانّه القوى على ذلك العالم بأمره فقلت أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولادة محمد ليلة ولد ما نزل باللات والعزى فقال لى أيتها السعدية انى أراك جزعة وأنا ادخل على هبل واذكر أمرك له فقد قطعت اكبادنا ببكائك مالا حد من الناس على هذا صبر قالت فقعدت مكانى متحيرة ودخل الشيخ على هبل وعيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويلا وطاف به اسبوعا ثم نادى يا عظيم المنّ يا قويا فى الاموران منتك على قريش كثيرة وهذه السعدية مرضعة محمد تبكى قد قطع بكاؤها الانياط فان رأيت ان تردّه عليها ان شئت* قالت فارتج والله الصنم وتنكس ومشى على رأسه وسمعت منه صوتا يقول أيها الشيخ أنت فى غرور مالى ولمحمد وانما يكون هلاكنا على يديه وان رب محمد لم يكن ليضيعه بل يحفظه أبلغ عبدة الاوثان ان معه الذبح الاكبر الا أن يدخلوا فى دينه قالت فخرج الشيخ فزعا مرعوبا تسمع لسنه قعقعة ولركبتيه اصطكاك قال لى يا حليمة ما رأيت من هبل مثل هذا قط فاطلبى ابنك انى لأرى ان يكون لهذا الغلام شأن عظيم قالت فقلت لنفسى كم تكتمين امره من عبد المطلب اخبريه الخبر قبل أن يأتيه من غيرك قالت فدخلت على عبد المطلب فلما نظر الىّ قال لى يا حليمة مالى اراك جزعة باكية ولا ارى معك محمدا قالت فقلت يا أبا الحارث جئت بمحمد وهو أسر ما كان فلما صرت على الباب الاعظم من ابواب مكة نزلت لاقضى حاجتى فاختلس منى اختلاسا قبل ان يمس قدمه الارض فقال لى اقعدى يا حليمة ثم علا الصفا فنادى يا آل غالب يعنى آل قريش فاجتمع اليه الرجال فقالوا له قل يا أبا الحارث فقد أجبناك قال لهم ان ابنى محمدا فقد قالوا له فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك قالت فركب عبد المطلب وركب الناس معه فأخذ أعلا مكة وانحدر