لانه أراد مجىء كتابه ونوره كما قال الله عز وجل فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أى أتاهم أمره والمعنى بذلك انزال التوراة على موسى بطور سيناء وسائر أرض الخليل من الشأم وكان عيسى يسكنها بقرية يقال لها ناصرة وبها سمى من تبعه نصارى* وفى أنوار التنزيل نصارى جمع نصرانى والياء فى نصرانى للمبالغة كما فى أحمرى سموا بذلك لانهم كانوا معه فى قرية يقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها انتهى والمراد انزاله الانجيل على عيسى وهو كناية عن ظهور أمر الانجيل وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف فى أن فاران هى مكة والمراد انزاله القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلم وظهور أمره وشريعته والله أعلم* ومن البشائر ما قاله يعقوب عليه السلام جاء الله عز وجل بالبيان من فاران وامتلأت السموات من تسبيح أحمد وأمّته يحمل حبه فى البحر كما يحمله فى البرّ يأتينا بكتاب جديد يعرف بعد خراب بيت المقدس كذا فى شواهد النبوّة* ومن كلام شعياء رأيت راكبين أضاءت لهما الارض أحدهما على حمار والآخر على حمل راكب الحمار عيسى وراكب الجمل نبينا صلّى الله عليه وسلم وأيضا فى كلامه يا قوم انى رأيت صورة مثل صورة القمر* وفى وصايا موسى عليه الصلاة والسلام لبنى اسرائيل سيأتيكم نبىّ من بنى اخوتكم أى أعمامكم فله صدّقوا ومنه فاسمعوا* ومن البشائر أن فى الجزء الثانى من السفر الخامس من التوراة السبعينية التى اتفق سبعون من أحبار اليهود على صحتها أنه يخاطب الله بها موسى وترجمتها بالعربية بهذه العبارة انى أقيم لهم نبيا من بنى اخوتهم مثلك وأجرى قولى فيه ويقول لهم ما آمره والرجل الذى لا يقبل قول النبىّ صلّى الله عليه وسلم الذى يتكلم باسمى فانى أنتقم منه فيفهم منه أنه يكون ذلك النبىّ من غير بنى اسرائيل من بنى اخوتهم أى أعمامهم. وأن يكون مثل موسى صاحب عز وشريعة وشوكة وما هو الانبينا صلّى الله عليه وسلم فان عيسى لم يكن صاحب شريعة وشوكة لما جاء فى الانجيل حكاية عن عيسى انى ما جئت لتبديل شرع موسى بل لتكميله كذا فى شواهد النبوّة* لكن فى أنوار التنزيل ما يدل على أن شرع عيسى ناسخ لشرع موسى حيث قال فى تفسير قوله تعالى ولأحل لكم بعض الذى حرّم عليكم فى شريعة موسى كالشحوم والسمك وكل ذى ظفر ولحوم الابل والعمل فى السبت وهو يدل على أن شرعه ناسخ لشرع موسى ولا يخل ذلك بكونه مصدّقا للتوراة كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتنافر وتكاذب فان النسخ فى الحقيقة بيان تخصيص فى الازمان* وفى الانسان الكامل ان عيسى نسخ دين موسى لانه أتى بما لم يأت به موسى وذلك أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى فى تسعة ألواح وأمره أن يبلغ سبعة منها ويترك لوحين لان العقول لا تكاد تقبل ما فى ذينك اللوحين فلو أنذر بهما موسى لا نتقض ما يطلبه وكان لا يؤمن به رجل واحد فهما مخصوصان بموسى عليه الصلاة والسلام من دون غيره من أهل ذلك الزمان* وكانت الالواح التى أمر بتبليغها فيها علوم الاوّلين والآخرين الاعلم محمد صلّى الله عليه وسلم وورثته وعلم ابراهيم وعلم عيسى عليهما الصلاة والسلام فانه لم تتضمنه التوراة خصوصية لمحمد صلّى الله عليه وسلم وكانت الالواح السبعة التى أمر بتليغها من حجر المزمر بخلاف اللوحين فانهما كانا من نور ولكون الالواح السبعة من الحجارة قست قلوبهم فلو أمر موسى بابلاغ اللوحين المختصين به لما كان مبعث عيسى من بعده لان عيسى بلغ سرّ ذينك اللوحين المرقومين فنسخ دين موسى لأنه أتى بما لم يأت به موسى لكنه لما أظهر حكم ذلك ضل قومه من بعد وتعبدوه وقالوا انه ثالث ثلاثة وهو الاب والامّ والابن وسموا ذلك بالاقانيم الثلاثة فافترق قومه على ثلاث فرق الملكائية أصحاب ملكا الذين ظهروا فى الروم واستولوا عليها والنسطورية أصحاب نسطور الحكيم الذين ظهروا فى زمن المأمون وتصرّف فى الانجيل بحكم رأيه واليعقوبية أصحاب يعقوب* ومما ترجموا من الانجيل أن عيسى قال اذا جاء الفار قليط فهو يشهد لى