من بدر فكانوا اذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصونى بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم اياهم بنا ما تقع فى يد رجل منهم كسرة من الخبز الا وقد نفحنى بها قال فأستحيى فأردّها عليه فيردّها علىّ ما يمسها قال ومرّ بى أخى مصعب بن عمير ورجل من الانصار يأسرنى فقال له شدّ يديك به فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك قال ابن هشام وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب لابى اليسر وهو الذى أسره ما قال قال له أبو عزيز يا أخى هذه وصايتك بى قال انه أخى دونك فسألت أمه عن أعلى ما فدى به قرشى فقيل لها أربعة آلاف درهم فبعثت أربعة آلاف درهم ففدته بها* وذكر قاسم بن ثابت فى دلائله ان قريشا لما توجهت الى بدر مرّ هاتف من الجنّ على مكة فى اليوم الذى وقع بهم المسلمون وهو ينشد بأنفذ صوت ولا يرى شخصه يقول
ازار الحنيفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
أبادت رجالا من لؤى وأبرزت ... خرائد يضر بن الترائب حسرا
فيا ويح من أمسى عدوّ محمد ... لقد حاد عن قصد الهدى وتحيرا
فقال قائلهم من الحنيفيون فقال محمد وأصحابه يزعمون انهم على دين ابراهيم الحنيف ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين وكان أوّل من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعى فقالوا ما وراءك قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وزمعة بن الاسود ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البخترى بن هشام فلما جعل يعدّد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد فى الحجر والله ان يعقل هذا فسلوه عنى قالوا ما فعل صفوان بن أمية قال ها هو ذاك جالس فى الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا وقال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس ابن عبد المطلب وكان الاسلام قد دخلنا اهل البيت فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم فكان يكتم اسلامه وكان ذا مال كثير متفرّق فى قومه وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة كما مرّ فلما جاءه الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا فى أنفسنا قوّة وعزة وكنت أعمل الاقداح فى حجرة زمزم فو الله انى لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أمّ الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر اذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه بشرّ حتى جلس الى طنب الحجرة ظهره الى ظهرى فبينا هو جالس اذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب قد قدم مكة فقال أبو لهب هلم الىّ فعندك لعمرى الخبر فجلس اليه والناس قيام عليه فقال يا ابن أخى اخبرنى كيف كان أمر الناس قال والله ما هو الا أن لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا ويأسروننا كيف شاؤا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض والله ما تبقى شيئا ولا يقوم لها شىء قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدى ثم قلت تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده وضرب وجهى ضربة شديدة فثاورته فاحتملنى وضرب بى الارض ثم برك علىّ يضربنى وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل الى عمود من عمد الحجرة فضربته به ضربة فلقت فى رأسه شجة منكرة وقالت أتستضعفه أن غاب عنه سيده فقام موليا فو الله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته* وذكر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه ان العدسة قرحة كانت العرب تتشاء بها ويرون انها تعدى أشدّ العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقى بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه فلما خافوا السبة فى تركه حفروا له ثم دفعوه فى حفرته بعود وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وقال ابن اسحاق فى رواية يونس بن بكير عنه انهم لم يحفروا له ولكن أسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه* وفى رواية بقى بعد