للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثر من مائة ألف وقدّم الطلائع أمامه* قال ابن اسحاق لما نزل المسلمون معان وهو حصن كبير بين الحجاز والشام على خمسة أيام من دمشق بطريق مكة* وفى الصفوة لما نزلوا معان من أرض الشام بلغهم ان هرقل قد نزل ماب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم وانضمت اليه المستعربة من لخم وجذام والقين وبلى وبهراء ووائل فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون فى أمرهم وقالوا نكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدوّنا فاما أن يمدّنا بالرجال واما أن يأمرنا بأمر فنمضى له فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال والله يا قوم ان الذى تكرهونه للذى خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدّة ولا قوّة ولا كثرة وما نقاتلهم الا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا فانما هى احدى الحسنيين اما الظهور واما الشهادة قال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضوا لوجوههم* وفى الاكتفاء ثم مضى الناس حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف وانحاز المسلمون الى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الانصار يقال له عباية بن مالك ويقال عبادة ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط فى رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل حتى اذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ثم عرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل رحمه الله تعالى وهو يقول

يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها

والروم روم قددنا عذابها ... علىّ اذ لاقيتها ضرابها

وكان جعفر أوّل من عقر فى الاسلام وفى رواية فأخذ اللواء زيد بن حارثة فوقع بين الجمعين قتال فقتل سدوم أخو شرحبيل وهرب أصحابه وخاف شرحبيل ودخل حصنا وبعث أخاه الاخر الى هرقل يستمدّه فبعث هرقل زها مائتى ألف ولما التقى الجمعان أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل بطعنة رمح ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها وكان أوّل فرس عرقبت فى الاسلام فقاتل حتى قطعت يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعت فضمه بعضديه أو قال احتضنه فضربه رجل من الروم فقطعه نصفين* وفى الاكتفاء قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين يطير بهما فى الجنة حيث يشاء قال ابن عمر كنت فى تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه فى القتلى ووجدنا فيما أقبل من بدنه ما بين منكبينه تسعين ضربة بين طعنة برمح وضربة بسيف* وفى رواية قال عددت خمسين جراحة من قدامه وفى رواية وجدت فى أحد نصفيه بضعا وثلاثين جراحة* ذكر عبد الله بن رواحة عن النعمان بن بشير أن جعفر بن أبى طالب حين قتل دعا الناس يا عبد الله بن رواحة وهو فى جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينتهشه ولم يكن ذاق طعاما منذ ثلاث فرمى الضلع وجعل يلوم نفسه فقال قتل جعفر وأنت مع الدنيا ثم تقدّم وأخذ اللواء فقاتل فأصيبت اصبعه فنزل عن فرسه وجعلها تحت رجله ومدّ حتى طرحها عنه وجعل يرتجز ويقول

هل أنت الا اصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت

فجعل يستنزل نفسه ويتردّد بعض التردّد ثم قال يا نفس الى أىّ شئ تتوقين الى فلانة امرأة له فهى طالقة ثلاثا أو الى فلان وفلان غلامان له فهما حرّان أو الى معجف حائط له فهو لله ولرسوله ثم قال

أقسم يا نفس لتنزلته ... طائعة لى أو لتكرهنه

قد طال ما كنت مطمئنة ... هل أنت الا نطفة فى شنه

قد أجلب الناس وشدّوا الرنة ... مالى أراك تكرهين الجنة

<<  <  ج: ص:  >  >>