لو عملت اليه من المدينة خاطبا لم ابل دع انى استثرت خطبتى اليه من تحت قدمىّ فان كنت قد كرهت لى ذلك لدين أو دنيا أعتبتك وأما حسن عزائى على قتلى المسلمين فو الله لو كان الحزن يبقى حيا أو يردّ ميتا لأبقى حزنى الحى وردّ الميت ولقد اقتحمت فى طلب الشهادة حتى أيست من الحياة وأيقنت بالموت وأما خدعة مجاعة اياى عن رأيى فانى لم أخطئ رأى يومى ولم يكن لى علم بالغيب وقد صنع الله للمسلمين خيرا أورثهم الارض وجعل لهم عاقبة المتقين* فلما قدم الكتاب على أبى بكر رق بعض الرقة وتم عمر على رأيه الاوّل فى عيب خالد بما صنع ووافقه على ذلك رهط من قريش فقام أبو برزة الاسلمى فعذر خالدا وقال يا خليفة رسول الله مايؤ بن خالد بجبن ولا خيانة ولقد اقتحم حتى أعذر وصبر حتى ظفر وما صالح القوم الاعلى رضاه وما أخطأ رأيه بصلح القوم اذ لا يرى النساء فى الحصون الا رجالا فقال أبو بكر صدقت لكلامك هذا أولى بعذر خالد من كتابه الىّ* ولما فرغ خالد من الصلح أمر بالحصون فألزمها الرجال وحلف مجاعة بالله لا يغيب عنه شيئا مما صالحه عليه ولا يعلم أحدا غيبه الا رفعه الى خالد ثم فتحت الحصون فأخرج سلاحا كثيرا فجمعه خالد على حدة وأخرج ما وجد فيها من دنانير ودراهم فجمعه على حدة وجمع كراعهم وترك الخف ولم يحرّكه ولا الرثة ثم أخرج السبى فقسمه قسمين ثم أقرع على القسمين فخرج سهمه على أحدهما وفيه مكتوب لله ثم جزأ الذى صار له من السبى على خمسة أجزاء ثم كتب على سهم منها لله وجزأ الكراع والحلقة هكذا ووزن الذهب والفضة فعزل الخمس وقسم على الناس الاربعة الاخماس وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما وعزل الخمس من ذلك كله حتى قدم به على أبى بكر ولما انقطعت الحرب بين خالد وبين أهل اليمامة تحوّل من منزله الذى كان فيه الى منزل آخر ينتظر كتاب أبى بكر يأمره ان ينصرف اليه بالمدينة* وحدث زيد بن أسلم عن أبيه قال كان أبو بكر حين وجه خالدا الى اليمامة رأى فى النوم كأنه أتى بتمر من هجر فأكل منها تمرة واحدة وجدها نواة على خلقة التمرة فلاكها ساعة ثم رمى بها فتأوّلها فقال ليلقين خالد من أهل اليمامة شدّة وليفتحن الله على يديه ان شاء الله فكان أبو بكر يستروح الخبر من اليمامة بقدر ما يجئ رسول خالد فخرج أبو بكر يوما بالعشى الى ظهر الحرّة يريد أن يبلغ صرارا ومعه عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله ونفر من المهاجرين والانصار فلقى أبا خيثمة النجارى قد أرسله خالد فلما رآه أبو بكر قال له ما وراءك يا أبا خيثمة قال خيرا يا خليفة رسول الله قد فتح الله علينا اليمامة قال فسجد أبو بكر قال أبو خيثمة وهذا كتاب خالد اليك فحمد الله أبو بكر وأصحابه ثم قال أخبرنى عن الوقعة كيف كانت فجعل أبو خيثمة يخبره كيف صنع خالد وكيف صف أصحابه وكيف انهزم المسلمون ومن قتل منهم فجعل أبو بكر يسترجع ويترحم عليهم وجعل أبو خيثمة يقول يا خليفة رسول الله أتينا من قبل الاعراب انهزموا بنا وعوّدونا ما لم نكن نحسن حتى أظفرنا الله بعد ثم قال أبو بكر كرهت رؤيا رأيتها كراهية شديدة ووقع فى نفسى انّ خالدا سيلقى مهم شدّة وليت خالدا لم يصالحهم وانه حملهم على السيف فما بعد هؤلاء المقتولين يستبقى أهل اليمامة ولن يزالوا من كذابهم فى بلية الى يوم القيامة الا أن يعصمهم الله ثم قدم بعد ذلك وفد اليمامة مع خالد على أبى بكر* وقال أبو بكر لخالد سم لى أهل البلاء فقال يا خليفة رسول الله كان البلاء للبراء بن مالك والناس له تبع ولما قدم خالد المدينة لم يبق بها دار الا وفيها باكية لكثرة من قتل معه من الناس فبكى أبو بكر لما رأى ذلك وكانت وقعة اليمامة فى ربيع الاوّل من سنة ثنتى عشرة واختلف فى عدد من استشهد فيها من المسلمين فأكثر ما فى ذلك ما وقع فى كتاب أبى بكر الى خالد انّ يبايك دماء ألف ومائتين من المسلمين* وقال سالم بن عبد الله
بن عمر قتل يوم اليمامة ستمائة من المهاجرين والانصار وغير ذلك* وقال زيد بن طلحة قتل يوم اليمامة من قريش سبعون ومن الانصار سبعون ومن سائر الناس خمسمائة* وعن أبى سعيد