وجئتنى به عند الموت لا أقبله فمضى عثمان الى أم حبيبة فسألها أن تطلب من ابن مسعود ليرضى عنه فكلمته أم حبيبة ثم أتاه عثمان فقال يا أبا عبد الرحمن ألا تقول كما قال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فلم يتكلم ابن مسعود واذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممكن من حقه اللائق بمنصبه أوّلا وآخرا ولو فرض خطاؤه فقد أظهر التوبة والتمس الاستغفار واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ فان الله أخبر أنه يقبل التوبة عن عباده وفى ذلك حثهم على الاقتداء به على أنه قد نقل ان ابن مسعود رضى عنه واستغفر له قال سلمة بن سعيد دخلت على ابن مسعود فى مرضه الذى توفى فيه وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم مهلا فانكم ان قتلتموه لا تصيبون مثله وأما عزله عن الكوفة واشخاصه الى المدينة وهجره له وجفاؤه اياه فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدّم تحريره وليس هجره اياه أعظم من هجر علىّ أخاه عقيلا بن أبى طالب وأبا أيوب الانصارى حين فارقاه بعد انصرافه من صفين وذهبا الى معاوية ولم يوجب ذلك طعنا عليه ولا عيبا فيه* وقد روى ان اعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال أنشدكم الله لو أن عثمان ردّكم الى أعمالكم وردّ اليكم عطاياكم أكنتم ترضون قالوا اللهم نعم فقال الهمدانى اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم وفى هذا بيان أن من طعن على عثمان انما كان لعزله اياه وتولية غيره وقطع عطاياه وذلك سائغ للامام اذا أدّى اجتهاده اليه* (الحادى عشر) * نقلوا انه قال لعبد الرحمن بن عوف انه منافق وذلك ان الصحابة لما نقموا على عثمان ما أحدثه وعاتبوا عبد الرحمن فى توليته اياه فى اختياره فندم على ذلك وقال انى لا أعلم ما يكون وأن الامر اليكم فبلغ قوله عثمان وقال ان عبد الرحمن منافق وأنه لا يبالى ما قال فحلف ابن عوف لا يكلمه ما عاش ومات على هجرته وقالوا فان كان ابن عوف منافقا كما قال فما صحت بيعته ولا اختياره له وان لم يكن منافقا فقد فسق بهذا القول وخرج عن أهلية الامارة* جوابه أما قولهم ان عبد الرحمن ندم على تولية عثمان فكذب صريح ولو كان كذلك لصرح بخلعه اذ لا مانع له فان أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون احداثه والناس تبع لهم فلا مانع لهم من خلعه وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما فى حق الاخر وقد آخى صلى الله عليه وسلم بينهما فثبت لكل واحد منهما على الاخر حق الاخوة والاشتراك فى صحبة النبوّة وشهادة النبىّ صلى الله عليه وسلم لكل منهما بالجنة ونزل التنزيل مخبرا بالرضا عنهم وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض ويبعد مع هذا كله صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما وانما الذى صح فى قصته ان عثمان استوحش منه فان عبد الرحمن كان ينبسط اليه فى القول ولا يبالى بما يقول له* وروى أنه قال له انى أخاف يا ابن عوف أن تنبسط فى دمى* (الثانى عشر) * ما رووا أنه ضرب عمار بن ياسر وذلك ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والانصار فكتبوا احداث عثمان وما نقموا عليه فى كتاب وقالوا العمار أوصل هذا الكتاب الى عثمان ليقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذى ننكره وخوّفوه فيه بأنه ان لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره قالوا فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه فقال عمار لا ترم بالكتاب وانظر فيه فانه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا والله ناصح لك وخائف عليك فقال كذبت يا ابن سمية وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمى عليه وزعموا انه قام بنفسه فوطئ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمى عليه أربع صلوات فقضاها بعد الافاقة واتخذ لنفسه ثيابا تحت ثيابه وهو أول من لبس الثياب لاجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلنّ من بنى أمية شيخا عظيما يعنون عثمان ثم