فاعترفوا بأنه قد صح عندهم أنه اله وأنه يحيى الموتى وقابلوا الحلاج على ذلك فأنكر وقال أعوذ بالله أن أدّعى الربوبية والنبوّة وانما أنا رجل أعبد الله عز وجل فأحضر حامد القاضى أبا عمرو والقاضى أبا جعفر بن البهلول وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم فقالوا لا نفتى فى أمره بشئ الا أن يصح عندنا ما يوجب قتله ولا يجوز قبول قول من يدّعى عليه ما ادّعاه الا ببينة أو اقرار وكان يخرج الحلاج الى مجلسه ويستنطقه فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة المطهرة وطال الامر على ذلك وحامد الوزير مجدّ فى أمره وجرى له قصص يطول شرحها وفى آخرها انّ الوزير رأى له كتابا حكى فيه انّ الانسان اذا أراد الحج ولم يمكنه أفرد من داره بيتا لا يلحقه شئ من النجاسات ولا يدخله أحد فاذا حضرت أيام الحج طاف حوله وفعل ما يفعله الحاج بمكة ثم يجمع ثلاثين يتيما ويصنع أجود طعام يمكنه ويطعمهم فى ذلك البيت ويخدمهم بنفسه فاذا فرغوا كساهم وأعطى كل واحد منهم تسعة دراهم فاذا فعل ذلك كان كمن حج فلما قرئ هذا الكتاب على الوزير قال القاضى أبو عمرو للحلاج من أين لك هذا قال من كتاب الاخلاص للحسن البصرى قال له كذبت يا حلاج الدم سمعناه بمكة وليس فيه هذا فكتب القاضى ومن حضر المجلس باباحة دمه فأرسل الوزير الفتاوى الى الخليفة فاستأذن فى قتله وسلمه الوزير الى صاحب الشرطة فضربه ألف سوط فما تأوّه ثم قطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم قتل وأحرق بالنار فلما صار رمادا ألقى فى الدجلة ونصب الرأس ببغداد وأرسل الى خراسان لانه كان له بها أصحاب وأقبل بعض أصحابه يقولون انه لم يقتل وانما ألقى شبهه على دابة وانه يجىء بعد أربعين يوما وبعضهم يقول لقيته بطريق النهروان وأنه قال له لا تكونوا مثل هؤلاء البقر الذين يظنون أنى ضربت وقتلت* وفى حياة الحيوان نقلا عن تاريخ ابن خلكان رسم المقتدر بتسليمه الى محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة فتسلمه بعد العشاء خوفا من العامّة أن تنزعه من يده ثم أخرجه يوم الثلاثاء لست بقين من ذى القعدة سنة سبع وثلثمائة عند باب الطاق واجتمع خلق كثير فأمر به فضربه الجلاد ألف سوط فما استعفى ولا تأوّه ثم قطع أطرافه الاربعة وهو ساكن لا يضطرب ثم حز رأسه وأحرقت جثته وألقى رماده فى دجلة ونصب الرأس ببغداد ثم حمل وطيف به فى النواحى والبلاد وجعل أصحابه يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوما واتفق أن زاد دجلة تلك السنة زيادة وافرة فادّعى أصحابه انّ ذلك بسبب القاء رماده فيها وادّعى بعض أصحابه انه لم يقتل وانما ألقى شبهه عند قتله على عدوّله* وذكر الشيخ الامام عز الدين بن عبد السلام المقدسى فى مفاتيح الكنوز انه لما أتى به ليصلب ورأى الخشب والمسامير ضحك ضحكا كثيرا ثم نظر فى الجماعة فرأى الشبلى فقال له يا أبا بكر أما معك سجادة قال بلى قال افرشها لى ففرشها فتقدّم وصلى ركعتين فقرأ فى الاولى بفاتحة الكتاب ومن بعدها ولنبلونكم بشئ من الخوف الاية ثم قرأ فى الثانية بفاتحة الكتاب ومن بعدها كل نفس ذائقة الموت ثم ذكر كلاما كثيرا ثم تقدّم أبو الحارث السياف ولطمه لطمة هشم وجهه وأنفه فصاح الشبلى ومزق ثيابه وأغشى على أبى الحسن الواسطى وعلى جماعة من المشايخ وكان الحلاج يقول اعلموا ان الله قد أباح لكم دمى فاقتلونى ليس للمسلمين اليوم أهم من قتلى وقد اضطرب الناس فى أمره اضطرابا متباينا فمنهم من يعظمه ومنهم من يكفره* وقد ذكر الامام قطب الوجود حجة الاسلام فى كتاب مشكاة الانوار فصلا طويلا فى أمره واعتذر عن اطلاقاته كقوله أنا الحق وما فى الجبة الا الله وحملها كلها على محامل حسنة وقال هذا من فرط المحبة وشدّة الخوف والوجل وهو كقول القائل أنا من أهوى ومن أهوى أنا* نحن روحان حللنا بدنا* وحسبك هذا مدحة وتزكية وكان ابن شريح اذا سئل عنه يقول هذا رجل قد خفى علىّ حاله وما أقول فيه شيئا وهذا شبيه بكلام عمر بن