له فقال له وما قعودك اخرج الان الى المدينة النبوية واكتم ما رأيت فتجهز فى بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة فى عشرين نفرا وفى صحبته الوزير المذكور ومال كثير فقدم المدينة فى ستة عشر يوما فاغتسل خارجها ودخل فصلى فى الروضة وزار ثم جلس لا يدرى ماذا يصنع فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة فى المسجد ان السلطان قصد زيارة النبى صلى الله عليه وسلم وأحضر معه أموالا للصدقة فاكتبوا من عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التى أراها له النبىّ صلى الله عليه وسلم فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف الى أن انفضت الناس فقال السلطان هل بقى أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة قالوا لا فقال تفكروا وتأمّلوا فقالوا لم يبق أحد الا رجلين مغربيين لا يتناولان لاحد شيئا وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج فلما سمعه السلطان انشرح صدره وقال علىّ بهما فأتى بهما فرآهما والرجلين اللذين أشار النبىّ صلى الله عليه وسلم اليهما بقوله أنجدنى أنقذنى من هذين فقال لهما من أين أنتما فقالا من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة فى هذا العام عند رسول الله فقال أصدقانى فصمما على ذلك فقال أين منزلهما فأخبر بأنهما فى رباط بقرب الحجرة الشريفة فأمسكهما وحضر الى منزلهما فرأى فيه مالا كثيرا وختمتين وكتبا فى الرقائق ولم ير فيه شيئا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا انهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات فى الروضة الشريفة وزيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم وزيارة البقيع كل بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردّان سائلا قط بحيث سدّا خلة أهل المدينة فى هذا العام المجدب فقال السلطان سبحان الله ولم يظهر شيئا مما رآه وبقى السلطان يطوف فى البيت بنفسه فرفع حصيرا فى البيت فرأى سردا بالمحفورا ينتهى الى صوب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك وقال السلطان عند ذلك أصدقانى حالكما وضربهما ضربا شديدا فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى فى زى حجاج المغاربة وأمدّوهما بأموال عظيمة وامروهما بالتحيل فى شئ عظيم خيلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول الى الجناب الشريف ويفعلوا به مازينه لهم ابليس فى النقل وما يترتب عليه فنزلا فى أقرب رباط الى الحجرة الشريفة وهو الرباط المعروف برباط المراغة وفعلا ما تقدّم وصارا يحفران ليلا ولكل منهما محفظة جلد على زىّ المغاربة والذى يجتمع من التراب يجعله كل منهما فى محفظته ويخرجان لاظهار زيارة قبور البقيع فيلقيانه بين القبور وأقاما على ذلك مدّة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة واتفق مسكهما واعترافهما فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاء شديدا وأمر بضرب رقابهما فقاتلا تحت الشباك الذى يلى الحجرة الشريفة وهو مما يلى البقيع ثم أمر باحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما الى الماء حول الحجرة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملئ به الخندق فصار حول الحجرة سورا رصاصا الى الماء ثم عاد الى ملكه وأمر باضعاف النصارى وأمر أن لا يستعمل كافر فى عمل من الاعمال وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها وقد أشار الى ذلك الجمال المطرى باختصار ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسبك الرصاص به وقال ان السلطان محمود المذكور رأى النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث مرّات فى ليلة واحدة وهو يقول فى كل واحدة يا محمود أنقذنى من هذين الشخصين الاشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك فقال له هذا أمر حدث فى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه وزار وجلس