صوتا للحديد الذى فيه واضطربت قناديل الحرم الشريف* وزاد القاشانى ثم فى اليوم الثالث وهو يوم الجمعة تزلزلت الارض زلزلة عظيمة الى أن اضطرب منها المسجد وسمع لسقف المسجد صرير عظيم* قال القطب فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ظهرت تلك النار فثار من محل ظهورها فى الجوّ دخان متراكم غشى الافق سواده فلما تراكمت الظلمات وأقبل الليل سطع شعاع النار وظهرت مثل المدينة العظيمة فى جهة المشرق* قال القاضى سنان وطلعت الى الامير وكان عز الدين منيف بن شيخه وقلت له قد أحاط بنا العذاب ارجع الى الله فأعتق كل مماليكه وردّ على الناس مظالمهم زاد القاشانى وأبطل المكس ثم هبط الامير الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وبات فى المسجد ليلة الجمعة وليلة السبت ومعه جميع أهل المدينة حتى النساء والصغار ولم يبق أحد فى النخل الا جاء الى الحرم الشريف وبات الناس يتضرّعون ويبكون وأحاطوا بالحجرة الشريفة كاشفين رؤسهم مقرّين بذنوبهم مبتهلين مستجيرين بنبيهم* قال القطب فصرف الله عنهم تلك النار العظيمة ذات الشمال ونجوا من الاوجال فسارت تلك النار من مخرجها وسال بحر عظيم من النار وأخذت فى وادى أخيليين وأهل المدينة يشاهدونها من دورهم كأنها عندهم ومالت عن مخرجها الى جهة الشمال واستمرّت مدّة ثلاثة أشهر على ما ذكره المؤرّخون قال وهى تسكن مرّة وتظهر أخرى* وذكر القسطلانى عمن يثق به انّ أمير المدينة أرسل عدّة من الفرسان الى هذه النار للاتيان بخبرها فلم تجسر الخيل على القرب منها فترجل أصحابها وقربوا منها فذكروا انها ترمى بشرر كالقصر ولم يظفروا بجلية أمرها فجرّد عزمه للاحاطة بخبرها فذكروا انه وصل منها الى قدر غلوتين بالحجر ولم يستطع أن يجاوز موقفه من حرارة الارض واحجار كالمسامير تحتها نار سارية ومقابله ما يتصاعد من اللهب فعاين نارا كالجبال الراسيات والتلال المجتمعة السائرات تقذف بزبد الاحجار كالبحار المتلاطمة الامواج وعقد لهيبها فى الافق قتاما حتى ظنّ الظانّ انّ الشمس والقمر كسفا اذ سلبا بهجة الاشراق فى الافاق ولولا كفاية الله كفتها لأكلت ما تقدم عليه من الحيوان والنبات والحجر* وذكر الجمال المطرزى بعض ما يخالف هذا فانه قال اخبرنى علم الدين سنجر العزى من عتقاء الامير عز الدين منيف بن شيخه صاحب المدينة قال ارسلنى مولاى الامير عز الدين بعد ظهور النار بأيام ومعى شخص من العرب وقال لنا ونحن فارسان اقربا من هذه النار وانظر اهل يقدر أحد على القرب منها فانّ الناس يهابونها لعظمتها فخرجت أنا وصاحبى الى أن قربنا منها ولم نجد لها حرّا فنزلت عن فرسى وسرت الى أن وصلت اليها وهى تأكل الصخر والحجر فأخذت سهما من كنانتى ومددت به يدى الى أن وصل النصل اليها فلم أجد لذلك ألما ولا حرّا فغرق النصل ولم يحترق العود فأدرت السهم وأدخلت فيها الريش فاحترق الريش ولم تؤثر فى العود وذكر المطرزى قبل ذلك انها كانت تأكل كلما مرّت عليه من جبل وحجر ولا تأكل الشجر قال وظهر لى فى ذلك انه لتحريم النبىّ صلى الله عليه وسلم شجر المدينة فمنعت من أكل شجرها لوجوب طاعته عليه السلام على كل مخلوق* وذكر القسطلانى انّ هذه النار لم تزل مارّة على سبيلها حتى اتصلت بالحرّة ووادى الشظاة وهى تسحق ما والاها وتذيب ما لاقاها من الشجر الاخضر والحصا من قوّة اللظى وانّ طرفها الشرقى أخذ بين الجبال فحالت دونه ثم وقفت وانّ طرفها الشامى وهو الذى يلى الحرم اتصل بجبل يقال له وعر على قرب من شرقى جبل أحد ومضت فى الشظاة الذى فى طرفه وادى حمزة ثم استمرّت حتى استقرّت تجاه حرم النبىّ صلى الله عليه وسلم وأطفئت* قال المطرزى وأخبرنى بعض من أدركها من النساء انهنّ كنّ يغزلن على ضوئها بالليل على أسطحة البيوت بالمدينة الشريفة* قال القسطلانى انّ ضوأها استولى على ما بطن من القيعان وظهر من التلاع حتى كانّ الحرم النبوى عليه