للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤيد ذلك أن الإمام أحمد تكلَّم في الحسن بن صالح بن حي - كما سيأتي (١) - لأنه رأى السيف مع أنَّ الحكام ذاك الزمن متعدِّدون، فلم يجتمع المسلمون كلُّهم على حاكم واحد.

الوجه الثالث: أنه يريد بهذا - والله أعلم - الردَّ على البيعات السِّرية لتولِّي الحكم، فلو اجتمع قومٌ وجعلوا لهم حاكمًا فلا يعدُّ حاكمًا بهذه البيعة، ويدل لذلك أنَّ الإمام أحمد أثبتَ البيعة لمن غلَب، بل وحكى الإجماعَ عليها - كما تقدَّم - (٢).

قال أبو يعلى: «وقد أومَأَ أحمد إلى إبطال الإمامة بذلك في رواية أبي الحارث: في الإمام يخرجُ عليه مَنْ يطلب الملك فيفتتن الناس، فيكون مع هذا قومٌ ومع هذا قومٌ؛ مع من تكون الجمعة؟ قال: مع من غلب.

وظاهرُ هذا أن الثاني إذا قهر الأول وغلَبهُ زالت إمامةُ الأول، لأنه قال: الجمعة مع مَنْ غلب. فاعتبر الغلبة» (٣).

الوجه الرابع: أنه قد يُراد بكلام الإمام أحمد بيانُ بماذا تنعقد البيعة، وأنها لا ترجع إلى عددٍ معين من أهل الحلِّ والعقد، بل ترجعُ إلى جميعهم، قال الماوردي: «فأما انعقادُها باختيار أهل الحلِّ والعقد، فقد اختلف العلماء في عدد مَنْ تنعقدُ به الإمامة منهم على مذاهبَ شتَّى، فقالت طائفة: لا تنعقد إلَّا بجمهور أهل العقد والحلِّ من كلِّ بلد؛ ليكون الرِّضاءُ به عامًّا، والتسليمُ لإمامته إجماعًا، وهذا مذهبٌ مدفوعٌ ببيعة أبي بكر -رضي الله عنه- على الخلافة باختيار مَنْ حضرها ولم ينتظر ببيعته


(١) ص: ١٧٧.
(٢) تقدم (ص: ٣٩، ٦٨).
(٣) الأحكام السلطانية (ص: ٢٢).

<<  <   >  >>