الوجه الأول: أن إثباتَ الولاية بالتوارث لأجل درءِ مفسدةٍ أعظمُ مطلوب شرعًا، فإنَّ خالَ المؤمنين معاوية بن أبي سفيان لو جعلها في غير بني أمية ما تحمَّلوا هذا، وجاءت منهم مفاسدُ عظيمة على المسلمين. ومما يؤكِّد ذلك أنهم استرجعوا حكمَ بلاد المسلمين كلِّها بعد انفلاتها منهم، فقد استردَّ ولايةَ بني أمية مروانُ بن الحكم وعلى إثر هذا سقطت ولاية عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-.
قال ابن خلدون في تاريخه: «والكلّ كانوا في مقاصدهم على حقٍّ، ثمّ اقتضت طبيعةُ الملك الانفراد بالمجد واستئثار الواحد به، ولم يكن لمعاوية أن يدفعَ عن نفسه وقومه؛ فهو أمر طبيعيّ ساقتهُ العصبيّة بطبيعتها، واستشعرته بنو أميّة.
ومن لم يكن على طريقة معاوية في اقتفاء الحقّ من أتباعهم فاعْصَوصَبوا عليه واستماتوا دونه، ولو حملهم معاويّة على غير تلك الطّريقة وخالفهم في الانفراد بالأمر لوقَع في افتراق الكلمة الّتي كان جَمعُها وتأليفُها أهمَّ عليه من أمرٍ ليس وراءه كبيرُ مخالفة.
وقد كان عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- يقول إذا رأى القاسم بن محمّد بن أبي بكر: لو كان لي من الأمر شيء لولّيته الخلافة، ولو أراد أن يعهد إليه لفعل، ولكنّه كان يخشى من بني أميّة أهل الحلّ والعقد لما ذكرناه، فلا يقدر أن يحوِّل الأمر عنهم لئلَّا تقع الفرقة.
وهذا كلّه إنّما حمل عليه منازع الملك الّتي هي مقتضى العصبيّة، فالملكُ إذا حصل وفرضنا أنَّ الواحد انفرد به وصرَفهُ في مذاهب الحقِّ ووجوهه = لم يكن في ذلك نكيرٌ عليه، ولقد انفرد سليمان وأبوه داود صلوات الله عليهما بملك بني