للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ثبتَ الخلافُ بين الصحابة - تنزُّلًا -، فالمرجع إلى الأدلة الشرعية، وقد تقدَّمت الأدلة الواضحة في وجوب السمع الطاعة للحاكم المسلم وإن كان فاسقًا وظالمًا في غير معصية الله (١)، ولا يصحُّ لأحدٍ أن يردَّ الدليل بحجَّة الخلاف، بل الواجبُ أن يردَّ الخلاف إلى الدليل؛ قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠]، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩].

وقد حكى غيرُ واحدٍ إجماعَ أهل العلم على أنَّ الدليل لا يُردُّ إلى الخلاف بل يَردُّ الخلافُ إلى الدليل (٢).

الوجه الثاني: من الجواب المفصَّل على خروج الحسين:

أن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- لم يبايع يزيدَ بن معاوية بيعةً شرعية؛ متأوِّلًا أنَّ


(١) تقدم (ص: ٣٥).
(٢) قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٩٢٢): «الاختلاف ليس بحجَّة عند أحدٍ علمتُه من فقهاء الأمة إلَّا مَنْ لا بصرَ له، ولا معرفة عنده، ولا حجَّة في قوله».
وقال الشاطبي في الموافقات (٥/ ٩٣) نقلًا عن الخطابي: «وليس الاختلافُ حجَّةً، وبيان السنة حجَّة على المختلفين من الأولين والآخرين».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص: ٦١): «هذا هو الذي يُمكن أن يُقالَ في أحاديث الوعيد إذا صادفت محلَّ خلاف، إذ العلماء مجمعونَ على الاحتجاج في تحريم الفعل المتوعَّد عليه، سواءٌ كان محلَّ وِفاقٍ أو خلاف، بل أكثر ما يحتاجون إليه الاستدلال بها في موارد الخلاف، ثم قال: إنَّ جنس التحريم إمَّا أن يكون ثابتًا في محلِّ خلاف، أو لا يكون، فإنْ لم يكن ثابتًا في محلِّ خلافٍ قطُّ لزِمَ أن لا يكون حرامًا إلَّا ما أُجمع على تحريمه، فكلَّ ما اختُلفَ في تحريمهِ يكونُ حلالًا؛ وهذا مخالفٌ لإجماع الأمة وهو معلومُ البطلان بالاضطرار من دينِ الإسلام».

<<  <   >  >>