للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يزيد، فلم يمكِّنه أولئك الظَّلَمة لا من هذا ولا من هذا ولا من هذا، وطلبوا أن يأخذوه أسيرًا إلى يزيد، فامتنعَ من ذلك وقاتلَ حتى قُتل مظلومًا شهيدًا، لم يكن قصدُه ابتداءً أن يقاتل» (١).

وقال: «وكذلك الحسين -رضي الله عنه- لم يُقتل إلَّا مظلومًا شهيدًا، تاركًا لطلب الإمارة، طالبًا للرجوع: إمَّا إلى بلده، أو إلى الثغر، أو إلى المتولِّي على الناس يزيد. وإذا قال القائل: إنَّ عليًّا والحسين إنَّما تركَا القتالَ في آخر الأمر للعجز، لأنه لم يكن لهما أنصار، فكان في المقاتلة قتل النفوس بلا حصول المصلحة المطلوبة.

قيل له: وهذا بعينه هو الحكمة التي راعاها الشارع -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن الخروج على الأمراء، وندبَ إلى ترك القتال في الفتنة، وإن كان الفاعلون لذلك يرَونَ أن مقصودَهم الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، كالذين خرجوا بالحرَّة وبدَير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما.

لكن إذا لم يُزلِ المنكر إلَّا بما هو أنكرُ منه، صار إزالته على هذا الوجه منكَرًا، وإذا لم يحصل المعروف إلَّا بمنكر مفسدتهُ أعظمُ من مصلحة ذلك المعروف، كان تحصيلُ ذلك المعروف على هذا الوجه منكرًا» (٢).

وقال ابن كثير: «فالتجأ الحسين بن علي وأصحابه إلى مقصبةٍ هنالك، وجعلوها منهم بظهر، وواجهوا أولئك، وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث، إمَّا أن يدَعوه يرجعُ من حيث جاء، وإمَّا أن يذهبَ إلى ثغرٍ من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يدَهُ في يده، فيحكم فيه بما شاء،


(١) منهاج السنة النبوية (٤/ ٤٢).
(٢) منهاج السنة النبوية (٤/ ٥٣٥).

<<  <   >  >>