للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وفي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله: «إنكم سترونَ بعدي أثرةً وأمورًا تنكرونها»، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «تؤدُّون الحقَّ الذي عليكم وتسألونَ الله الذي لكم» (١)، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الأمراء يظلمون، ويفعلون أمورًا منكَرة، ومع هذا فأمرَنا أن نؤتيَهُم الحقَّ الذي لهم، ونسأل الله الحقَّ الذي لنا.

ولم يأذنْ في أخذِ الحقِّ بالقتال، ولم يرخِّص في تركِ الحقِّ الذي لهم.

وفي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ رأى من أميرهِ شيئًا يكرههُ فليصبرْ عليه فإنَّه مَنْ فارقَ الجماعةَ شبرًا فماتَ إلَّا ماتَ ميتةً جاهلية»، وفي لفظ: «فإنَّه مَنْ خرجَ من السلطان شبرًا فماتَ ماتَ ميتةً جاهلية» واللفظ للبخاري، وقد تقدَّم قوله -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر أنهم لا يهتدون بهديهِ، ولا يستنُّونَ بسُنَّته، قال حذيفة: كيف أصنعُ يا رسولَ الله إنْ أدركتُ ذلك؟ قال: «تسمعُ وتطيعُ للأمير، وإنْ ضربَ ظهركَ، وأخذَ مالكَ فاسمَعْ وأطِعْ» (٢).

فهذا أمرٌ بالطاعة مع ظُلمِ الأمير، وتقدَّم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ وليَ عليه والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فلْيكرَهْ ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنَّ يدًا عن

طاعة» (٣)، وهذا نهيٌّ عن الخروج عن السلطان، وإن عصى، وتقدَّم حديث عبادة: «بايعنا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على السَّمعِ والطاعة، في منشَطنا ومكرَهنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثرَةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمرَ أهله»، قال: «إلَّا إن تروا كفرًا بواحًا عندكم من


(١) سبق تخريجه (ص: ٣٧).
(٢) أخرجه مسلم (١٨٤٧).
(٣) سبق تخريجه (ص: ٣٦).

<<  <   >  >>