هذا الكلام من الشافعي صريحٌ في أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعاملهم بالقتل ولا غيره لأنه عاملهم بالظاهر، ومعنى هذا: لو أظهروا خلافَ هذا من الكفر لعامَلَهُم بما أظهروا؛ وهو الكفر.
فكم أتعجَّبُ كيف يستشهد حاكم العبيسان بكلام الشافعي وهو عليه لا له!!، ثم إنَّ الإمام الشافعي أبعدُ ما يكون عن الحرية التي يدَّعيها حاكم العبيسان، فكيف يتوهَّمه سلفًا له؟!، وهذا يتبين بأمور:
الأمر الأول: أنَّ كلام الإمام الشافعي السابق واضحٌ في أنَّ المنافقين لو أظهروا الكفر لعامَلَهُم معاملةَ الكفار لا معاملة المؤمنين في الظاهر.
الأمر الثاني: أن الإمام الشافعي في كتابه الأم يقرِّر قتلَ المرتد، وهو الذي ترك دين الإسلام إلى دين الكفر.
قال:«ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك من بالغي الرجال والنساء استُتيب؛ فإنْ تاب قُبل منه، وإن لم يتُبْ قُتل، قال الله -عز وجل-: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: ٢١٧]»(١).
وهذا التقريرُ من الشافعي يخالفُ الحرية المفرِطة المزعومة التي يدَّعيها حاكم العبيسان.
الأمر الثالث: أنَّ الإمام الشافعي شديدٌ على أهل البدع، ومنهم أهلُ الكلام.
قال الذهبي:«وعن الشافعي: حُكمي في أهل الكلام، حكمُ عمر في صبيغ».