الوجه الرابع: أنه لا يتنافى مع تحكيم الشريعة وجعله أصلًا أن يُتركَ بعضُ شرعِ الله لعارض؛ كقطع يد السارق لضرورة عرضت له؛ وهذه شبهةٌ يُدرأ بالحد، أو ترك سهمِ المؤلَّفة قلوبهم في الزكاة؛ لقوَّة الإسلام وعدم الحاجة لذلك. كما نقل فعل هذا عن عمر.
الوجه الخامس: إرادة تحكيم الشريعة لا ينافي التدريج في تطبيقها وتهيئة الناس لها؛ بأن يعلموا أن تحكيم الشريعة دينُ الله وأنه خيرٌ لهم.
الوجه السادس: ليس المراد بقوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: ٤٣] أن تحكيم التوراة كافٍ، لأنَّ المراد العدل كما قال؛ بل المراد ذمُّهم لتركِ تحكيم التوراة في رجم الزاني مع عِلْمهم أنه موجود عندهم في كتابهم وهو حكمُ الله عندهم.
قال ابن الجوزي:«قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} قال المفسرون: هذا تعجيبٌ من الله -عز وجل- لنبيِّه من تحكيم اليهود إيَّاه بعد عِلْمهم بما في التوراة من حكم ما تحاكموا إليه فيه، وتقريعٌ لليهود إذ يتحاكمون إلى من يجحدون نبوته، ويتركون حكمَ التوراة التي يعتقدون صحَّتها.
قوله تعالى:{فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ}، فيه قولان: أحدهما: حكم الله بالرجم، وفيه تحاكموا، قاله الحسن، والثاني: حكمه بالقَود، وفيه تحاكموا، قاله قتادة.
قوله تعالى:{ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} فيه قولان: أحدهما: من بعد حكم الله في التوراة، والثاني: من بعد تحكيمك» (١).