وقال ابن كثير في تفسيره:«ثم قال تعالى منكِرًا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدِهم الزائغة، في تركهِم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم، الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدًا، ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره، مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدَم لزومه لهم فقال:
ثم مدحَ التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران، فقال:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}[المائدة: ٤٤]؛ أي: لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ}؛ أي: وكذلك الربانيون منهم - وهم العباد العلماء - والأحبار - وهم العلماء - {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ}؛ أي: بما استودعوا من كتاب الله الذي أُمروا أن يُظهِروه ويعملوا به {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}؛ أي: لا تخافوا منهم وخافوني».
ويؤكد هذا أنَّ التوراة حُرِّفت فكيف يُزعَم أنَّ ما فيها بعد التحريف هو عدل.
وبعد هذا يتبين أن القول بأن التحكيم بالعدل المزعوم - ولو خالف شرعَ الله - هو شرعُ الله = قولٌ باطلٌ لا دليل عليه، ثم الزعم بأنَّ الديمقراطية عدلٌ = هو زعمٌ باطل؛ لأنها قائمة على تحكيم الأكثرية، ويترتبُ على هذا ضياعُ حقِّ الأقلية وإهدارُ قدراتِ الأكفياء؛ لأنَّ العبرة بالأكثر لا بالأميَز؛ ففي دول الديمقراطية يسودُ التجار والأكثر قبلية واتباعًا بحسب حال كلِّ دولة.