للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثاني:

قد يحكم الحاكم بغير ما أنزل الله مضطرًّا (١)؛ لأنه لو حكم بما أنزل الله لقامَ عليه قومهُ بالتآمر مع دول الغرب الكافرة لا سيما إذا كانت هذه الدولة من الدول المستعمرة سابقًا.

قال الإمام ابن تيمية: «كذلك النجاشي هو وإن كان ملكَ النصارى فلم يُطِعهُ قومهُ في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفرٌ منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه، فصلَّى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، خرج بالمسلمين إلى المصلَّى فصفَّهم صفوفًا وصلَّى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: «إنَّ أخًا لكم صالحًا من أهل الحبشة مات» (٢).

وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخلَ فيها لعجزهِ عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حجَّ البيت، بل قد روي أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس، ولا يصوم شهر رمضان، ولا يؤدي الزكاة الشرعية؛ لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه، وهو لا يمكنه مخالفتهم. ونحن نعلم قطعًا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن.

والله قد فرضَ على نبيِّه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلَّا بما أنزل الله إليه، وحذَّره أن يفتنوه عن بعض ما أنزلَ الله إليه، وهذا مثلُ الحكم في الزنى للمحصَن بحدِّ الرجم، وفي الدِّيات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع؛ النفس بالنفس، والعين بالعين، وغير ذلك.


(١) هذا ليس تبريرًا للحاكم، فإنَّ الواجب على الحاكم أن يتقي الله وأن يجتهد في الحكم بما أنزل الله، وإنَّما المراد الردُّ على غلاة التكفيرالذين لايراعون ما تراعيه الشريعة.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٧٢)، ومسلم (٩٥١) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>