للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولنضرب مثلًا في البنوك، الآن نحن لا نشكُّ بأن البنوك واقعة في الربا الذي «لعنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- آكلَهُ، ومُوكِلَه، وشاهدَيه، وكاتبه» (١)، وأنه يجب إغلاقها واستبدالُ هذه المعاملات بالمعاملات الحلال، حتى يقوم أولًا دينُنا ثم اقتصادنا ثانيًا … فالتعجيلُ في تكفير الحكام المسلمين في مثل هذه الأمور خطأ عظيم، ولا بد أن نصبر، فقد يمكن أن يكون الحاكم معذورًا! فإذا قامت عليه الحجَّة وقال: نعم هذا هو الشرع، وأنَّ هذا الربا حرام، لكن أرى أنه لا يصلح هذه الأمة في الوقت الحاضر إلَّا هذا الربا! حينئذ يكون كافرًا لأنه اعتقد أنَّ دين الله في هذا الوقت غير صالح للعصر، أما أن يشبَّه عليه ويقال: هذا حلال، يعني: الفقهاء قالوا كذا! ولأن الله قال كذا! فهذا قد يكون معذورًا، لأنَّ كثيرًا من الحكَّام المسلمين الآن يجهلون الأحكام الشرعية، أو كثيرًا من الأحكام الشرعية، فأنا ضربتُ هذا المثل حتى يتبين أن الأمر خطير، وأن التكفير يجب أن يعرف الإنسان شروطه قبل كل شيء» (٢).

ومثله التفسيق لا يكون فيما تنازعَ فيه علماء السنة، فمن رأى أن علَّة جريان الربا في الأصناف الأربعة الطعم والكيل أو الوزن، فليس له أن يفسِّق العامي المقلِّد لعالم معتبر في التعليل بالادِّخار زيادةً على الطعم والكيل أو الوزن إذا تبادل على وجهِ الزيادة فيما هو مطعومٌ غير مدَّخر.

ومما يؤكد هذا أن الحدود تُدرأ بالشبهات، فالتكفير من باب أولى يُدرأ عن المعين بشُبهة الخلاف.


(١) أخرجه مسلم (١٥٩٨) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
(٢) (ص: ٣٥٦).

<<  <   >  >>