للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعربية، دقيق النظر فيها، لطيف المسلك فى معانيها؛ غاية فى الإبداع والاستنباط، ولم يكن ظاهره ينبئ عن كثير علم؛ فإذا نوظر ونوقش لا يصطلى بناره.

نظر فى كتب الكلام والمنطق والطبّ والتنجيم؛ وكان يتّكل على حفظه، ويشتغل بالاستنباط الدقيق المعانى فى كل فنّ على حفظه وذهنه.

رحل إلى المشرق فلقى أبا جعفر بن النحاس، فحمل عنه كتاب سيبويه رواية، وقدم قرطبة فلزم التصدّر لطلب الإفادة لهم فى داره بها.

وقرىء عليه كتاب سيبويه، ولم يكن عند الناس علم من العربية؛ حتّى ورد محمد بن يحيى؛ فإن الأوائل كانوا يفعلون فى الإفادة مع المنصوص وتفهيم الطالب معنى اللفظ وما تحته من المعنى لا غير. ولم يكن له تدقيق نظر ولا استنباط؛ فلما ورد محمد بن يحيى أخذ فى التدقيق والاستنباط والاعتراض والجواب وطرد الفروع إلى الأصول. فاستفاد منه المعلمون طريقه، واعتمدوا ماسّه من ذلك.

وكان مع ذلك ذا وقار وسمت وفضيلة ونزاهة نفس وكرم وصحة نية وسلامة باطن.

وكان يقول الشعر فيجيده، وبرع فى استخراج المعمّى، وبينه وبين الزّبيدىّ مفاوضات فى ذلك طويلة ظاهر أمرها التكلف [١].

أدّب أولاد الملوك هناك من بنى أمية. ثم ولى أمر الديوان [٢] والاستيفاء؛ فلم يزل على ذلك إلى أن مات فى شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.


[١] انظر طبقات الزبيدى ص ٢١٧ - ٢٢٠.
[٢] فى هامش الأصل ٢: ١٧٧: «إنما ولاه المستنصر الأموى مقابلة الدواوين والنظر فيها- يعنى الكتب التى جمعها، والمصنفات فى سائر العلوم التى لم تجتمع لملك من ملوك الإسلام قبله ولا بعده، ولا قدر علما، لا ما ظنه المصنف، رحمه الله».

<<  <  ج: ص:  >  >>