يوم جمعة بعد الصلاة بجامع القصر الشريف، والناس يقرءون عليه، فوقف عليه شاب وقال: يا سيّدى، سمعت بيتين من الشعر، ولم أفهم معناهما، وأريد أن تسمعهما، وتعرّفنى معناهما، فقال: قل، فأنشد:
وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجره النّار يصلينى به النار
فالشمس بالقوس أمست وهى نازلة ... إن لم يزرنى وبالجوزاء إن زارا
فلما سمعهما والدى قال: يا بنىّ، هذا شىء من معرفة تسيير الكواكب فى البروج؛ وذلك من صنعة من يعرف علم النجوم وتسييرها، لا من صنعة أهل الأدب.
فانصرف الشاب من غير أن يحصل له ما أراده، فاستحيا والدى من أن يسأل عن شىء ليس عنده منه علم، ونهض وآلى على نفسه ألّا يجلس فى موضعه ذاك حتى ينظر فى علم النجوم، ويعرف تسيير الشمس والقمر، ونظر فى ذلك وحصل معرفته بحيث إذا سئل عن شىء منه أجاب.
ومعنى البيت الثانى منهما الذى فيه السؤال أن الشمس إذا نزلت بالقوس يكون الليل فى غاية الطول، وإذا كانت بالجوزاء كان فى غاية القصر؛ فكأنه يقول: إن لم يزرنى فالليل عندى فى غاية الطول، وإن زارنى كان فى غاية القصر.
٧٨٣ - ميمون الأقرن النحوىّ «١»
من الطّبقة الثانية؛ أخذ عن أبى الأسود مع من أخذ؛ وكان أبو عبيدة يقدّمه على عنبسة بن معدان الفيل رفيقه فى الأخذ عن أبى الأسود، وكان أبو عبيدة يقول: أوّل من وضع النحو أبو الأسود الدّؤلىّ، ثم ميمون الأقرن ثم عنبسة الفيل،