- رحمه الله- وأكمل الصناعة على ابن برّىّ، وكان النحو على خاطره طريا، وكتب بخطه أصوله وحشّاها، وكانت فى غاية التحقيق والصحة.
وكان كثير المطالعة لكتب النحو، وكان على غاية من الدين والورع والنزاهة وقيام الليل ولزوم سمت المشايخ الصالحين، مستجاب الدعوة.
وكان قد حج، واجتاز بعد الحج بقفط، فرغّبه أهلها فى المقام بين أظهرهم للإفادة، فأقام. وأخذه إليه القاضى الخطيب أبو الحسن على بن أحمد بن جعفر بن عبد الباقى العثمانىّ «١»، من ولد أبان بن عثمان القفطىّ، الذى ما رأيت أكمل منه أدبا، ولا أغزر فضلا وذكاء. وضمن له كفايته، فأقام عنده مقدار خمسين سنة على غاية ما يكون من الرفاهية والإكرام، وخلطه بأهله، وكان يخدمه بنفسه على جلالة قدره؛ والتزم له أدبا ما التزمه أحد لشيخه- فرحمهما الله، وعفا عنهما.
قرأنا عليه، واستفدنا منه. وكان يجلس للإفادة ما بين الظهر والعصر بجامع قفط، وانتفع ببركته كلّ من صحبه، وأدركه فى آخر عمره نوع من الفالج فاعتقل له لسانه عن بعض النطق. وبعد ذلك ما أخّر مجالسه المفيدة للطلبة. ولم يزل على إقامة وظائفه من العبادة والإفادة إلى أن توفى- رحمه الله- فى شهور سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وقد بلغ سنا عالية، ودفن بقفط- غفر الله له، وأعاد على كل مستحقّ الرحمة والتوفيق.
٣٠٢ - صيغون أبو محمد الخيارىّ النحوىّ القيروانىّ الإفريقىّ المغربىّ [١]
أحد النحاة فى ذلك القطر، وله بينهم اشتهار وذكر.
[١] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم ٨٥. والخيارى، بكسر الخاء وفتح الياء آخر الحروف وبعده ألف وراء: منسوب إلى الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان.