٦٦٦ - محمد بن عبد الله المقرىء النحوىّ اللغوىّ الصّقلى أبو بكر «١»
من أهلها المقيمين بها. وكان من أهل القرآن والتفسير والورع والتعفف.
له فى النحو فهم صاف، وفى اللغة قسم واف؛ ابتلى بحب فتى من أبناء قوّاد صقليّة، فهام به، وسلب لبه، وفقد أربه، ولم يزل جسمه ينحل ويضنى، ويذبل ويفنى وعيل فى حبه صبره؛ إلى أن نفث الدم صدره. وكان يصنع فيه الشعر طول أيامه، ومدّة غرامه؛ إلى أن فارق دنياه، وصار إلى أخراه؛ من دون ذنب فى حبّه ارتكبه، ولا عيب فى نفسه اكتسبه، أعاضه الله الجنة من شبابه، وغفر له يوم حسابه.
فمن شعره فيه قوله من قصيدة أوّلها:
هذا خيالك فى الجفون يلوح ... لو كان فى الجسم المعذب روح
يا سالما مما أقاسى فى الهوى ... هل يشتفى من قلبى التبريح
غادرتنى غرض الرّدى وتركتنى ... لا عضو لى إلّا وفيه جروح
لله ما صنعت لواحظ جفنه ... لو بلغت نفسى الردى فتريح
ويقول فيها:
لو عاينت عيناك قذفى من فمى ... كبدى ودمعى مع دمى مسفوح
لرأيت مقتولا ولم تر مقتلا ... ولخلت أنى من فمى مذبوح
يا ويح إنى قد جرحت وما دروا ... أنى بأسياف الجفون جريح
قل للذى منه علقت منيتى ... أأباح قتلى يا ظلوم مبيح!
كبدى على صدرى جرت فإلى متى ... أغدو أعذّب فى الهوى وأروح!
ومن ذلك قوله:
حسبوا دموعى إذ رأوها من دمى ... عن علة حدثت لفرط بكاء
تالله ما هى غير أن بليتى ... من مقلتى أفضت إلى أحشائى
فتقطعت كبدى وغيضت أدمعى ... فجرى إلى عينىّ فيض دمائى