غنما له فوق سطح الصّفّة التى هو فيها مدفون، وقد كثر ما يخرج من أجوافها فوق ذلك الموضع، فأزلته ونظّفته ممّا حصل فيه، وكان قد أقعد قبل موته بمدّة، ولزم منزله راضيا بما قضى له، قانعا بما قدّر له من الرزق، يغشاه الناس لفضله والرواية عنه.
قال: وأتانا رجل مغربىّ شرط على نفسه أنه يبرئه مما هو فيه، وأنه لا يأخذ عليه أجرا إلا بعد برئه. قال: فملت إلى قوله، وأخذ فى معاناته بدهن صنعه، وكان يمدّ رجليه فى يوم وهى متجافية عن الأرض لما بها من اليبس، ويقيس ما بينها وبين الأرض، وكانت كلّما لانت قربت من الأرض، فيعلم ذلك، ولم يزل يفعل هذا الفعل إلى أن ظهر فيها الصلاح وأشرف على البرء، فقال لى يوما:
أعط لهذا المغربىّ شيئا يرضيه واصرفه، فقلت له: لماذا وقد ظهر نجح معاناته؟
فقال: الأمر كما تقول؛ ولكنى فى راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والالتزام بأخطارهم، وقد سكنت روحى إلى الانقطاع والدّعة؛ وقد كنت بالأمس وأنا معافى أذلّ روحى بالسعى إليهم، وهأنا اليوم قاعد فى منزلى، فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاءوا لى بأنفسهم لأخذ رأيى، وبين هذا وذاك كثير، وإنما أحدثه هذا الألم، ولا أرى زواله ولا معاناته، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعنى أعيش باقيه حرّا سليما من ذلّ وصغار، فقد أخذت منه أوفر الحظ.
قال أخوه: فقبلت قوله، وصرفت الرجل بإحسان.
وكان مولده فى أحد الربيعين من سنة أربع وأربعين وخمسمائة بجزيرة ابن عمر، وتوفى يوم الخميس سلخ ذى الحجة من سنة ست وستمائة بالموصل، ودفن برباطه- رحمه الله.