للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحكى؟ فقال: حسدنى قوم فكذبوا علىّ، وأساءوا إلىّ. فقلت له: على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟ فقال: والآخرة أيها الشيخ! قلت:

إى والله. ثم قلت له: لم تمتنع من أكل اللحم، ولم تلوم من يأكله؟ فقال: رحمة للحيوان. قلت: لا! ولعمرى بل تقول إنه من شره «١» الناس! إنهم يجدون ما يأكلون، ويتجزّون «٢» به عن اللّحمان ويتعوّضون. فما تقول فى السباع والجوارح التى خلقت لا غذاء لها غير اللّحوم من النّاس والبهائم والطير، ودمائها وعظامها؛ ولا طعام تعتاض به عنها ولا تتجزّى به، حتى لم يخلص [من] ذاك حشرات الأرض؟

فإن كان الخالق لها الذى نقوله نحن فما أنت بأرأف منه بخلقه، ولا أحكم منه فى تدبيره. وإن كانت الطبائع المحدثة لذاك- على مذهبك- فما أنت بأحذق منها، ولا أتقن صنعة، ولا أحكم عملا، حتى تعطّلها، ويكون رأيك وعملك وعقلك أوفى منها وأرجح، وأنت من إيجادها «٣»، غير محسوس عندها! فأمسك».

قال غرس النعمة: «وأذكر عند ورود الخبر بموته، وقد تذاكرنا أمره، وإظهاره الإلحاد وكفره، ومعنا غلام يعرف بأبى غالب بن نبهان، من أهل الخير والسلامة، والفقه والديانة، فلما كان من غد يومنا حكى لنا- وقد مضى ذلك الحديث بسمعه عرضا- فقال: أريت البارحة فى منامى رجلا شيخا ضريرا، وعلى عاتقه أفعيان متدلّيتان إلى فخذيه، وكل منهما يرفع فمه إلى وجهه، فيقطع منه لحما يزدرده وهو يصيح ويستغيث، فقلت: من هذا؟ - وقد أفزعنى ما رأيت منه، وروّعنى ما شاهدته عليه- فقيل لى: هذا المعرىّ الملحد. فعجبنا من ذلك واستطرفناه بعقب ما تفاوضناه من أمره وتجاريناه».

<<  <  ج: ص:  >  >>