ميمون من كل ما يشغل به بال الأمراء، وأقطع الأجناد إقطاعات رضوا بها، وانصرفوا شاكرين له، لم يعرف عنه- منذ تولى أمره إلى أن مات ميمون القصرىّ- جندىّ اشتكى أو تألم. وكان وجيها عند ميمون المذكور، يحترمه ويعظم شأنه، ويتبرك بآرائه إلى أن مات ميمون سنة ٦١٠».
وعندئذ عاد إلى منزله، والتزم العزلة أكثر من عام، يطالع وينسخ ويستفيد.
ولكنه ألزم بالخدمة مرّة أخرى، فظل متوليا أمور الديوان حتى مات الملك غازى سنة ٦١٣، وتولى الملك ابنه العزيز «١»، فعاد إلى داره، ومكث ملتزما الخلوة والبعد عن السلطان. وشهاب الدين طغريل وزير العزيز يجرى عليه رزقا يستعين به على الانقطاع والخلوة، إلى أن كانت سنة ٦١٦؛ حيث ألزمه الأمير تولى أمور الديوان، فلم يجد من قبول ذلك بدّا.
وطالت أيامه فى هذه المدّة؛ فإنه ظل من سنة ٦١٦ إلى سنة ٦٢٨، يسوس الأمور أحسن سياسة، وينصح للأمير، ويرعى مصالح الرعية. روى عنه ياقوت:«أنه مر فى طريقه بصعلوك شكا إليه أنه قد اتهم بسرقة الملح، وأخذت دابته، ثم طولب بجباية. فلم يكد يستمع إلى شكواه حتى ذهب إلى شهاب الدين طغريل، وقال له: أيها الأمير، روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ثلاثة أشياء مباحة، الناس مشتركون فيها: الكلأ والماء والملح، وقد جرى كيت وكيت، ولا يليق بمثلك وأنت عامّة وقتك جالس على مصلّاك أن تكون مثل هذه الأشياء فى بلدك!».