وسبعين وثلاثمائة، فحج حجّة الفريضة عن نفسه، ثم عاد إلى القيروان، وبقى عليه شىء من القراءات، فعاد إلى مصر ثالثة فى سنة اثنتين وثمانين، فاستكمل ما بقى عليه، ثم عاد إلى القيروان سنة ثلاث وثمانين، وأقام بها يقرئ إلى سنة سبع وثمانين، ثم خرج إلى مكة، فأقام بها إلى آخر سنة تسعين، وحج أربع حجج متتالية نوافل، ثم قدم من مكة فى سنة إحدى وتسعين إلى مصر، ثم قدم من مصر إلى القيروان فى سنة اثنتين [وتسعين]، ثم قدم الأندلس فى رجب سنة ثلاث وتسعين، وجلس للإقراء بجامع قرطبة، فانتفع به جماعات من الناس. ونزل أوّل ما قدم قرطبة فى مسجد النخيلية فى الرّواقين عند باب العطارين، فأقرأ به، ثم نقله المظفّر عبد الملك بن أبى عامر إلى الجامع الزاهر، وأقرأ فيه حتى انصرمت دولة آل عامر، فنقله محمد بن هشام المهدىّ إلى المسجد الجامع بقرطبة، وأقرأ فيه مدّة الفتنة كلّها، إلى أن قلّده أبو الحسن بن جهور الصلاة والخطبة بالمسجد الجامع بعد وفاة يونس [١] بن عبد الله، وكان قبل ذلك يستخلفه القاضى يونس ابن عبد الله على الخطابة، وكان ضعيفا عليها، على أدبه وفهمه، وبقى خطيبا إلى أن مات- رحمه الله.
وكان خيّرا فاضلا متواضعا متديّنا، مشهورا بالصلاح وإجابة الدعوة؛ من ذلك ما حكاه عنه أبو عبد الله الطرفىّ المقرئ قال: كان عندنا بقرطبة رجل فيه بعض الحدّة، وكان له على الشيخ أبى محمد مكىّ تسلّط، كان يدنو منه إذا خطب فيغمزه، ويحصى عليه سقطاته وكان الشيخ كثيرا ما يتلعثم ويتوقّف، فجاء ذلك الرجل
[١] هو القاضى أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث؛ قلده الخليفة هشام بن محمد المروانىّ القضاء سنة ٤١٩، وهو شيخ قد زاد على الثمانين، وكان من أهل العلم والفقه بالحديث، كثير الرواية، وافر الحظ من اللغة والعربية؛ توفى سنة ٤٢٩. (المرقبة العليا ص ٩٦).