فتضجرت به أمّه، وأسمعته كلاما أحوجه إلى الخروج عن ماكسين، وقصد الموصل، وقرأ بها وطلب»؛ انقضى كلامه.
وكان أبو الحرم قد طلب بنفسه فى الموصل؛ حتى شدا أشياء من القراءات والأدب، ثم رحل إلى بغداذ، فلقى بها أبا محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوىّ.
وقال بعض متأخرى المؤرّخين من أهل الموصل: إنه سمع من تلاميذ مكىّ ومن أخ له [أنه] ما دخل إلى بغداذ إلا بعد موت ابن الخشاب بخمسة أعوام.
[ولقى بها] أبا الحسن على بن عبد الرحيم السّلمىّ المعروف بابن العصّار، وأبا البركات عبد الرحمن بن محمد الأنبارىّ وغيرهم، فأخذ عنهم، وعاد إلى الموصل، وتصدّر للإفادة بها، فأخذ الناس عنه وانتفعوا به، ثم خرج إلى الشام فى آخر عمره بنيّة زيارة بيت المقدس، واجتاز بحلب وأنا بها، واجتمعنا فرأيت كلامه لم يكن فى غاية الجودة والتحقيق، وكان إذا حوقق فى أمر ممّا يجرى من أنواع الأدب نزق وأظهر الغضب فرارا من العىّ عن الجواب، ورأيته يعيب على صاحب الصّحاح أشياء يعفى عن مثلها، ويهمل من معايبه ما هو أشدّ من ذلك مما واخذه به العلماء.
ولما وصل إلى دمشق، ونقل ما يقول من الكلام فى العربية إلى تاج الدين الكندىّ زيد بن الحسن، تعجّب من بعض كلامه، وعرف من نقل إليه عنه الغلط فيما نقله، وقال: ما هو أبو الحرم وإنما هو أبو الخرم- وكان زيد صاحب نادرة- ولما خرج أبو الحرم إلى الشام كره ذلك بنو أتابك زنكى، المستولون على الموصل لكراهتهم فى بيت آل أيوب المستولين على مصر والشام، وخشوا منه أن يستخفّ فينطق بشىء من أمورهم التى يسمعها عنهم عند إقامته عندهم؛