للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القادمين مع الغزّ، وكان أبو المحاسن ممّن صرف عن عمله، ودخل إلى مصر، وتصدر بها لإقراء الأدب، وانتفع به جماعة من أولاد رؤسائها، وتأدّب به ناس كثير فى المدة القريبة، وعمل أبياتا حصر فيها العوامل حصرا جميلا.

سألت عنه ولده المدعوّ بالمجد على باب قنّسرين بحلب فقال: مات شابا، وكان عمره يوم موته اثنتين وأربعين سنة؛ وكان سبب موته أنه قصد عبد الرحيم ابن على المدعو بالفاضل وزير الدولة الغزّية، وأعطاه قصّة يطلب فيها رزقا، فوعده ذلك، ثم إنه استدعاه بعد أيام، فظنّ أن حاجته قد قضيت، فلما حضر عنده قال: خذ هذه الكلمات من التّذكرة لأبى علىّ واحتل لى فى إتمامها، ولم يذكر له شيئا من أمر رزقه، فأخذ المجلّدات، وخرج عنه مغضبا حنقا على الزمان.

قال لى المجد ولده: وقد كنّا عند توجّهه إليه ننتظر عوده بما يسره من أمر رزقه، قال: فلما عاد سألناه عن أمره، فألقى المجلدات من كمّه، فقال: لهذه طلبت؛ ورفع وجهه ويديه إلى السماء وقال: اللهم عجّل الموت، فقد كرهت الحياة- وكان صائما- ثم إنه أفطر ونام، ولا شك أنه وطئ فى تلك الليلة أهله، وأصبح إلى الحمام، وعاد إلى المنزل، وقد تغيّر مزاجه فمات، وذلك فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.

ذكره محمد بن محمد بن حامد، فقال فيه: «هو من أهل المعرفة، والبدائع المستطرفة، والوشائع المفوّقة، كان قاضيا بالبهنسا، حاظيا بالأنسة، وصرف فى الدولة الصلاحية الملكية الناصرية، وله فى معنى صرفه بيتان أنشدنيهما المذكور سيدنا الأجل الفاضل وهما:

صرفت أنى صرفت من علل ... تسع وأنى أعرب الحرفا

فليت لى خصلتين: معرفة ... وعجمة تمنعانى الصّرفا

وذلك إلى تولية صدر الدين العجم، لمعرفته لهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>